قضية جورج عبد الله أو حين ينحني القضاء لإملاءات السياسة والضغوط الامريكية...
أعلنت وزارة العدل الفرنسية، اليوم الخميس، الإفراج عن المناضل اللبناني جورج إبراهيم عبد الله، بعد اعتقال استمر 41 عاماً في السجون الفرنسية.
تاريخ في النضال الفلسطيني
قضية «أقدم سجين سياسي في أوروبا»
لم تكن قضية المناضل اللبناني جورج عبدالله مجرد محاكمة قانونية عادية، بل تحولت، على مدار أربعة عقود، إلى نموذج صارخ لاختراق السياسة للقضاء، وتزييف العدالة تحت ضغوط خارجية.
فقد كشفت تصريحات المسؤولين الفرنسيين والوثائق المسرّبة وقرارات الإفراج المُعطَّلة، أن ملف عبدالله كان «محكوماً مسبقاً» بأجندة سياسية، لا بأدلة قانونية.
ظلّ اسم جورج عبد الله يتردّد في أروقة المحاكم الفرنسية لأكثر من أربعين عاماً، ليس كمجرد متهم أمام القضاء، بل كضحية لنظام قضائي انحنى لإملاءات السياسة.
تكشف هذه القضية، التي تحوّلت إلى أيقونة للانتهاك المنظّم لحقوق الإنسان، كيف يمكن للدول العظمى أن تحوّل القانون إلى أداة قمع حين تتعارض المواقف السياسية مع مبادئ العدالة.
لم تكن قضية المناضل اللبناني جورج عبدالله مجرد محاكمة قانونية عادية، بل تحولت، على مدار أربعة عقود، إلى نموذج صارخ لاختراق السياسة للقضاء، وتزييف العدالة تحت ضغوط خارجية.
وسينفذ قرار الإفراج عن المناضل اللبناني جورج إبراهيم عبد الله، أقدم السجناء السياسيين في أوروبا، في 25 يوليوز الجاري.
ضغوط أميركية لعدم إطلاق سراحه
وفي عام 1986، صدر بحقّه حكم بالسجن أربع سنوات بتهمة حيازة متفجّرات وحُكم عليه بالسجن المؤبّد بتهمة «التواطؤ في أعمال إرهابية»، على خلفية عمليات اغتيال استهدفت ديبلوماسيين أميركيين وإسرائيليين في فرنسا. غير أنّ مستشار الرئيس الأسبق فرانسوا ميتران، جاك أتالي، أكد أن «لا أدلّة قانونية ضد عبد الله سوى الجواز المزوّر».
ورغم أن عبد الله استوفى منذ عام 1999 الشروط القانونية للإفراج المشروط، إلا أن الضغوط الأميركية والإسرائيلية حالت دون ذلك. وعلى مدى أكثر من عقدين، رفضت السلطات القضائية الفرنسية، مرّات متكرّرة، طلبات الإفراج عنه، فيما علّقت محكمة تنفيذ الأحكام في عام 2013 قرار الإفراج الذي ربطته بترحيله فوراً إلى لبنان.
وكانت المحكمة قد أجّلت قرارها الأخير في فبراير الماضي، مطالبة عبد الله بدفع تعويضات لعائلتَي الديبلوماسيين القتيلين، وهو ما رفضه بشكل قاطع، معتبراً أن في ذلك اعترافاً ضمنياً بتهم نفاها مراراً.
وأعاد القضاء الفرنسي فتح الملف مجدداً في نوفمبر 2023، قبل أن يقرّر الإفراج عنه من دون شروط جزائية، رغم اعتراض النيابة العامة لمكافحة الإرهاب، التي طالما اعتبرت الإفراج عنه «رسالة خاطئة للحلفاء»، في إشارة إلى الضغوط الأميركية والإسرائيلية المتواصلة على باريس.
ضغوط دولية.. ومفارقات القضاء الفرنسي
وكان محامي الدفاع، جان لوي شالانسيت، قد أشار إلى أن القرار النهائي جاء بعد عقود من «التسييس الفاضح»، لافتاً إلى أن عبد الله كان «مؤهلاً للإفراج» منذ 1999، لكن الضغوط الأميركية، كما تكشف الوثائق، حالَت دون ذلك.
في باريس، بدأت السفارة اللبنانية إجراءات «ترحيل» جورج عبد الله، بينما حذّرت النقابية، رولا يحيى، من تدخلات إسرائيلية محتملة لتعطيل التنفيذ، في ظل تاريخ من «العبث السياسي» بالملف.
لماذا الآن؟
ترجّح المحامية عبد الفتاح أن يكون القضاء الفرنسي قد أدرك، أخيراً، أن الملف تحوّل إلى «عبء قانوني وأخلاقي»، خاصة بعد تحوّله إلى نموذج صارخ لتسييس العدالة. بينما يرى مراقبون أن المتغيّرات الجيوسياسية، بما فيها تراجع النفوذ الفرنسي في لبنان، قد تكون دافعاً لباريس نحو إنهاء هذا الملف.
وأكّد محامي الدفاع جان لوي شالانسيت للميادين أنّ تنفيذ الإفراج سيتمّ في 25 يوليوز الجاري.
وكشف أنّ الولايات المتحدة الأميركية مارست ضغوطاً سياسية لتعطيل العملية القضائية، وأنّ قرار إطلاق السراح كان سياسياً بامتياز على الرغم من استيفاء الشروط القانونية منذ أكثر من عقدين.
من ناحيتها، أشارت النقابية والعضو في حزب "فرنسا الأبية" رولا يحيى إلى وجود مخاوف من عرقلة تنفيذ قرار الإفراج بفعل ضغط إسرائيلي.
في نفس السياق قال حزب الله " نأمل تنفيذ قرار الإفراج عن جورج عبدالله فوراً دون الخضوع مجدداً للضغوط الصهيونية والأميركية".
ليست قصة جورج عبد الله مجرد سجلّ قانوني، بل شهادة على انتهاك العدالة لمصلحة السياسة. فبعد 41 عاماً، تبقى الأسئلة: هل يُغلق الملف حقاً؟ أم أن تاريخ 25 يوليوز قد يتحول إلى فخّ جديد؟ القضاء أمام الاختبار الأصعب: فهل يحرّر نفسه من أعباء السياسة؟
تعليقات