لا تكتفي قوات الاحتلال بمواجهة المقاومين، بل تسعى إلى تحويل المخيمات إلى أماكن لا تصلح للحياة البتة
تحت جنح الظلام، انسحب جيش الاحتلال الصهيوني من مخيم نور شمس في مدينة طولكرم شمال الضفة الغربية، مساء السبت، بعد اجتياح استمر لمدة 50 ساعة، لتتكشف مع ساعات نهار أمس الأولى أهوال المجزرة والدمار في المخيم.
وفيما تمكنت الطواقم الطبية من انتشال 14 شهيداً، بعدما منعتها قوات الاحتلال، طوال مدة الاقتحام، من إدخال أي سيارة إسعاف، وسط حصار مطبق قطعت خلاله الكهرباء والمياه، يصف المواطنون حال المخيم بـ«غزة الصغرى» في دلالة على حجم الدمار الذي أحدثه الاحتلال خلال 3 أيام.
وتبين أن الدمار طاول ما يقارب الـ60 منزلاً في حارة المنشية، من بينها قرابة الـ15 منزلاً بشكل كامل، فيما نهشت جرافات الاحتلال الشوارع والبنية التحتية والأسوار والمحال التجارية.
ويحمل العدوان على «نور شمس»، دلالات عدة، أبرزها، نقل نموذج الإبادة في قطاع غزة إليه، لتطبيقها كمنهجية عمل لجيش الاحتلال في مواجهة المقاومة في الضفة.
وضمن هذه الإستراتيجية، لا تكتفي قوات الاحتلال بمواجهة المقاومين، بل تسعى إلى تحويل المخيمات إلى أماكن لا تصلح للحياة البتة، وهو ما أشار إليه حجم الخراب الكبير في المخيم، معززاً قناعة المواطنين بأن العدو يسعى إلى محو منطقتهم من أساسها، وتحويلها إلى جحيم طارد لهم، والضغط عليهم لتأليبهم على المقاومة، باعتبارهم حاضنة دائمة لها.
وعلى غرار ما أعلنه رئيس دولة الاحتلال، يستحاق هرتسوغ، مع بدء العدوان على غزة، من أنه لا يوجد مدنيون هناك، وتحميله هؤلاء مسؤولية ما يجري كونهم سمحوا للمقاومة في غزة بأن تستمر، يبدو أن الكيان الصهيوني يستخدم القاعدة نفسها في الضفة، وتحديداً في المخيمات، التي يمثّل وجودها بوصلة إلى حق العودة، والذي تسعى إسرائيل إلى اجتثاثه عبر القضاء على كل ما يرتبط به، ومن ضمن ذلك حربها ضد وكالة «الأونروا».
استطاعت المخيمات، التي مثّلت رأس حربة المقاومة هناك، وعلى رأسها مخيما جنين ونور شمس، في الأشهر الأخيرة فرض معادلات جديدة في الميدان، فضلاً عن نجاحها في الصمود والتكيف والبقاء على قيد الحياة، رغم قلة إمكاناتها ومحاربتها وملاحقتها من قبل الاحتلال وحتى الأجهزة الأمنية الفلسطينية.
ويرى مراقبون أن ما شهده «نور شمس» قد ينسحب على مخيمات أخرى، وتحديداً «جنين»، الذي قد يكون هدف الاحتلال التالي.
وبحسب «القناة 12 العبرية»، شنّ جيش الاحتلال، منذ السابع من أكتوبر، 60 عملية عسكرية في الضفة الغربية، غالبيتها الساحقة في المخيمات، من دون أن يتمكن من تحقيق كل الأهداف المعلنة له. وواكبت وسائل الإعلام العبرية العدوان على «نور شمس»، واصفة إياه بـ«العملية الأكبر» في المخيم منذ بدء الحرب على قطاع غزة، والتي شاركت فيها عدة وحدات مختارة من الجيش، بهدف «مداهمة حي في المخيم فيه عدد كبير من المسلحين، وتفتيشه بيتاً بيتاً»، استناداً إلى «توجيهات استخبارية دقيقة».
والجدير ذكره، هنا، أن المنطقة التي أقيم عليها مخيم نور شمس شرق طولكرم، شهدت، قبل أن تصبح مخيماً في عام 1952، أول معركة منظمة أثناء «الثورة الفلسطينية الكبرى» مع قوات الانتداب البريطاني في يونيو1936، وهي معركة «نور شمس» بقيادة عبد الرحيم الحاج محمد، والتي أسفرت عن مقتل 50 جندياً بريطانياً وتدمير 3 سيارات وإسقاط طائرة مروحية، لتندلع شرارة المقاومة من تلك الأرض، وتبقى متّقدة في كل المحطات وصولاً إلى نشوء «كتيبة طولكرم»، التي تحرس الشعلة بالدم.
ومن حول هذه المقاومة الصلبة، تلتفّ بيئة اجتماعية قوية، تجسدت في أم عبد اللطيف غنام، التي ودّعت، خلال الاقتحام الأخير، اثنين من أبنائها، بعد 6 شهور فقط من استشهاد ابنيها الآخرين، لتكون قد ودّعت في 6 أشهر 4 من أبنائها شهداء، وخامساً أصابه مرض عضال.
-بتصرف عن جريدة "الأخبار" اللبنانية
التعليقات