$type=ticker$count=12$show=post$cols=3$cate=0

اللعبة الخطرة بين الجزائر والمغرب - حسن اوريد*

ناك حكمة شعبية متداولة في بلاد المغرب تقول: " اللي تلف يشد الأرض"، أي أن على من أضاع السبيل، أن يلزم المكان الذي هو فيه


هناك حكمة شعبية متداولة في بلاد المغرب تقول: " اللي تلف يشد الأرض"، أي أن على من
 أضاع السبيل، أن يلزم المكان الذي هو فيه، وهي حكمة تحيل إلى عالم الرحّل، حين تهبّ الرياح فتنحجب الرؤية على قافلة، ينصح الهداة حينذاك بأن يلزم أصحاب القافلة مكانهم، إلى أن تنجلي العاصفة، وتتضح الرؤية.
ونحن في عالم لم تتحدد فيه الرؤية، بالنظر للتحولات الجسام التي يعرفها العالم، لا نظير لها إلا سياق ما بعد الحرب العالمية الثانية. ويحسُن عدم التسرع في القرارات المرتجلة أو العاطفية، أو ردود الفعل. والخطأ بل الخطر التفكير في دائرة قوالب قديمة لعالم جديد، أو قيد الاعتمال.
هذه المقدمة هي توطئة لحدث لا حدث في واقع الأمر، وهو ليس بكل تأكيد التعبير الذكي لمواكبة التحولات الجديدة، وهو إعلان قيام "جمهورية الريف"، في الجزائر العاصمة، في حي السفارات بها، مع يليق مع الحدث من "جلال" و"طقوس"، منها "النشيد الوطني بتاريفيت (متفرعة عن الأمازيغية) و"العَلم"، و"إعلان التوجهات".
لا يحتاج الإنسان أن يكون من ذوي الاختصاص، أيًا كان الاختصاص، ولا من العارفين أيًا كانت المعرفة، ولكن مجرد المنطق السليم، أن ذلك يخدم، إستراتيجيًا، الجزائر، حسب ما يسميه الرياضيون بالاستدلال بالعبث، أو المناطقة بـ "الافتراض جدلًا" قيام "جمهورية الريف". حالة انفصال "ناجحة" تغذي حركات انفصالية جنينية، وما أكثرها قابلية للاستهلال، إن توفرت على تغطية إعلامية، ومغازلة الجرح الوجودي، ومختبرات خبراء، وأحداث مفتعلة، وتوظيف أخرى، ودعم دولي.. يحبُل العالم بحركات سلمية جدًا، تنادي بحقوق ثقافية، "مشروعة جدًا"، وتنتهي بالدماء، والدعوة للانفصال.
منطق الأشياء، في خضم التحولات الكبرى التي تقع في العالم، هو وضع سِنان المواجهة بين الجزائر والمغرب، والتفكير مليًّا في التحولات الكبرى، والسعي من أجل أن يكون التحول لصالح شعوب المنطقة، وللعالم العربي، كما حدث سابقًا، بعد التحولات التي طرأت في أوروبا الشرقية، في نهاية القرن الماضي، وألقت بظلالها على البلدين.
استأنف المغرب حينها علاقاته الدبلوماسية التي كانت مقطوعة مع الجزائر، وحضر المرحوم الملك الحسن الثاني القمة العربية التي انعقدت في الجزائر في يونيو 1988، وكان لقاء زرالدة (ضواحي الجزائر العاصمة) في أعقاب القمة. لكننا لم نعد في منطق الأشياء، بل نقيضها.
"الإعلان" عن "جمهورية الريف " في الحدود المعترف به دوليًا للمغرب، لا يخدم المنطقة، ولا يخدم العالم العربي، ولا يخدم الجزائر، كما أن الدعوة لتقرير مصير "شعب القبايل"، لا تخدم المنطقة ولا تخدم العالم العربي، ولا تخدم المغرب.
لم أتورّع عن انتقاد ما كان أقدم عليه سفير المغرب في الأمم المتحدة السيد عمر هلال، حين قال بحق شعب "القبايل الأبي" في تقرير مصيره، في غمرة سجال مع نظيره الجزائري – (14 يوليو/تموز 2021)- وكتبت وصرّحت في غير موقع دولي، عن رعونة هذا التصريح.
وكان من الممكن طيّ الموضوع، لأن الملك محمد السادس خصص خطاب العرش كله للعلاقات المغربية الجزائرية (30 يوليو/تموز 2021)، وقال؛ إن الشعبين أكثر من شقيقين بل "سيامي"، (يعني متلاصقين)، وأن الشر لن يأتي من المغرب، وهي اللازمة التي تتكرر كذلك في الخطاب الرسمي الجزائري حيال المغرب: الشر لن يأتي من الجزائر. وهل نعتدُّ بالخطابات أم بالأفعال؟
لا جدال أنّ لمنطقة القبايل في الجزائر خصوصيتها الثقافية، ولكنها كانت في لُب معركة التحرير، وقلبها النابض. تبنّى بعض قياديها بعد الاستقلال، خيارات سياسية، مغايرة لتلك التي تبنتها الجزائر عقب الاستقلال. لكن الانفصال لم يكن واردًا قط، ولا تحمله أي قوة فعلية، ولها مصداقية، وليس له أي تواجد شعبي.
نفس الشيء يقال عن منطقة الريف في المغرب، لها خصوصيتها الثقافية، وكانت معركة الأمير عبد الكريم الخطابي، تحرير الريف أولًا وتوجيه قواته للمنطقة التي كانت خاضعة للحكم الفرنسي.
وللتذكير، فالسلطات الاستعمارية اقتسمت المغرب كما يتم اقتسام الفيء، ما بين فرنسا وإسبانيا، ومنطقة دولية في طنجة. اندلاع المقاومة في الريف، بالشكل الذي بدت فيه، والمسار الذي اتخذته ناجم عن التقسيم الذي خضع له المغرب وسياسة إسبانيا ووضعها.
من المؤكد كذلك أن منطقة القبايل عرفت اهتزازات كبرى بعد مقتل الناشط ماسينسة كرماح (أبريل/نيسان 2001)، أفضت إلى ما عُرف بالربيع الأسود، ومن المؤكد كذلك أن فرم بائع السمك محسن فكري بالحسيمة (أكتوبر/تشرين الأول 2016)، كان الشرارة التي أوقدت حراك الريف. لم يرِد الانفصال في الحالتين.
لعبة دعم الانفصال لعبة غير محسوبة العواقب، إذ لو تم التساهل معها، فمن شأنها أن تُقوض البنى الاجتماعية، في المغرب والجزائر، وتكون وقودًا لحروبٍ أهلية، في كل بلد، ولصراع لن يخمد ما بين العرب والأمازيغ، وبركانًا يُلقي بحُممه في المنطقة، ويوتر الوضع في حوض البحر الأبيض المتوسط.
كنا نُغبَط في بلاد المغرب بوَحدة الدين والمذهب، ولم يكن قادة أمازيغيون ينظرون لمصير بلديهما خارج الوحدة، من الأمير عبد الكريم الخطابي، أو الحسين آيت أحمد، أو محمد بنسعيد. لكن نحن مع فاعلين بنفس المرجعيات، لا التوجهات وهل نحن في نفس السياق؟
لا ينبغي التوجه بالحديث هنا إلى صانعي الرأي في البلدين فقط، بل لأصحاب القرار بالأخصّ من أجل التوقف عن ردود الفعل، والمزايدة. هناك جفاء بين البلدين ينبغي التعامل معه بواقعية، كما يفعل الطبيب حين يسعى ليدفع الداء للاستقرار، لكن الضرب بأبجديات التعامل الدولي عرض الحائط، من دعم الانفصال والتدخل في الشؤون الداخلية، ونكث الالتزامات الدولية، هي لعبة خطرة، وغير محسوبة العواقب.
أعمال العقلاء تُنزه عن العبث، لكن للأسف الشديد أن الذكاء الفردي يوظف لما ليس ذكاء على المستوى الجماعي. وهذا من مآسينا الجسام.

التعليقات

الاسم

اخبار العالم,2031,اخبار العرب,1751,اخبار المغرب,6529,أرشيف,10,أسبانيا,4,اسبانيا,172,أستراليا,1,اسكوبار الصحراء,7,إضاءة,1,إطاليا,5,إعلام,308,إعلام فرنسي,5,إفريقيا,59,اقتصاد,992,أقلام,15,الإتحاد الأوروبي,6,الأخيرة,1,الأردن,1,الإمارات,3,الأمم المتحدة,19,البرازيل,11,الجزائر,300,السعودية,15,الصحة,118,الصين,26,ألعراق,1,العراق,4,الفضاء,1,القدس,4,ألمانيا,23,المراة,129,الملف,25,النمسا,1,ألهند,1,الهند,2,الولايات المتحدة الأمريكية,74,اليمن,23,إيران,47,ايطاليا,1,باكستان,1,برشلونة,1,بريطانيا,1,بلجيكا,7,بيئة,15,تاريخ,5,تحقيق,1,تحليل,2,تدوين,762,ترجمة,1,تركيا,19,تغريدات,31,تغريدة,6,تقارير,1307,تقرير صحفي,75,تونس,91,ثقافة,2,جنوب إفريقيا,4,جنين,1,حرية,389,حزب الله,11,حماس,3,حوارات,80,ذكرى,2,روسيا,76,رياضة,376,زاوية نظر,41,زلزال الحوز,75,سوريا,14,سوسيال ميديا,18,سوشال ميديا,15,سياحة,2,سينما,29,شؤون ثقافية,448,صحافة,87,صحة,579,صوت,1,صوت و صورة,912,طاقة,25,طقس,1,عالم السيارات,1,عداد البنزين,5,عزة,2,علوم و تكنولوجيا,315,عناوين الصحف,322,غزة,87,فرنسا,180,فلسطين,4,فلسطين المحتلة,614,فنون,243,قطر,2,كاريكاتير,9,كأس العالم,108,كتاب الراي,1932,كولومبيا,1,لبنان,21,ليبيا,34,مجتمع,1254,مجنمع,10,مختارات,128,مدونات,5,مسرح,6,مشاهير,1,مصر,8,مغاربي,1047,ملف سامير,8,ملفات,53,منوعات,410,موريتانيا,16,مونديال,1,نقارير,2,نقرة على الفايس بوك,1,نيكاراغوا,1,
rtl
item
الغربال أنفو | موقع إخباري: اللعبة الخطرة بين الجزائر والمغرب - حسن اوريد*
اللعبة الخطرة بين الجزائر والمغرب - حسن اوريد*
ناك حكمة شعبية متداولة في بلاد المغرب تقول: " اللي تلف يشد الأرض"، أي أن على من أضاع السبيل، أن يلزم المكان الذي هو فيه
https://blogger.googleusercontent.com/img/b/R29vZ2xl/AVvXsEiAYDM9rsb59DRAE45TqHbEiwFcOagMAOmcdD-PDQKhyWDAkoEaN4USzXHAQvcdze6MdA1gQH_DYuk0A-4Zp0Feyw2jLnh3txqv5QS-cYBbIf5siJahjmzCvsRPzH1Lv1csDCSjudW8jeyusoQdTQtTf4pVL1HWkmWtsl9dSu0Vb8FbCLxXa7ohitZm04Y/w640-h478/bccb2f57-1550-4065-91fd-d0d7f2c79c03.webp
https://blogger.googleusercontent.com/img/b/R29vZ2xl/AVvXsEiAYDM9rsb59DRAE45TqHbEiwFcOagMAOmcdD-PDQKhyWDAkoEaN4USzXHAQvcdze6MdA1gQH_DYuk0A-4Zp0Feyw2jLnh3txqv5QS-cYBbIf5siJahjmzCvsRPzH1Lv1csDCSjudW8jeyusoQdTQtTf4pVL1HWkmWtsl9dSu0Vb8FbCLxXa7ohitZm04Y/s72-w640-c-h478/bccb2f57-1550-4065-91fd-d0d7f2c79c03.webp
الغربال أنفو | موقع إخباري
https://www.alghirbal.info/2024/03/blog-post_24.html
https://www.alghirbal.info/
https://www.alghirbal.info/
https://www.alghirbal.info/2024/03/blog-post_24.html
true
9159330962207536131
UTF-8
تحميل جميع الموضوعات لم يتم إيجاد اي موضوع عرض المزيد التفاصيل الرد الغاء الرد مسح بواسطة الرئيسية بقية أجزاء المقال: موضوع العرض الكامل مقالات في نفس الوسم قسم أرشيق المدونة بحث جميع الموضوعات لم يتم العثور على اي موضوع الرجوع الى الصفحة الرئيسية الأحد الأثنين الثلاثاء الأربعاء الخميس الجمعة السبت شمس اثنين ثلاثاء اربعاء خميس جمعة سبت يناير فبراير مارس ابريل ماي يونيو يوليوز غشت شتنبر اكتوبر نوفمبر دجنبر يناير فبراير مارس ابريل ماي يونيو يوليوز غشت شتنبر اكتوبر نوفمبر دحنبر في هذه اللحظة 1 منذ دقيقة $$1$$ منذ دقيقة 1 منذ ساعة $$1$$ منذ ساعة أمس $$1$$ منذ يوم $$1$$ منذ ساعة منذ أكثر من 5 أسابيع متابعون يتبع هذا المقال المميز مقفل لمواصلة القراءة.. أولا شاركه على: ثانيا: انقر فوق الرابط الموجود على الشبكة الاجتماعية التي شاركت معها المقال انسخ كل الأكواد Select All Code All codes were copied to your clipboard Can not copy the codes / texts, please press [CTRL]+[C] (or CMD+C with Mac) to copy عناوين رئيسية