شهادة مُرة: عندما اجتزت الامتحان الوطني المشترك للاقسام التحضيرية للمدارس العليا للمهندين كنت أعتقد ان الحياة في المدارس العليا كلها نضج...
شهادة مُرة: عندما اجتزت الامتحان الوطني المشترك للاقسام التحضيرية للمدارس العليا للمهندين كنت أعتقد ان الحياة في المدارس العليا كلها نضج واستدراك للتكوين الشخصي والذكاء الاجتماعي الذي افتقدناه في الاقسام التحضيرية للرياضيات الغارقة في النظري والتجريد ولا وجود فيها لما يمت بصلة للعلوم الاجتماعية والانسانية..
أثناء الامتحانات الشفوية، قضيت نحو شهر في الرباط بين المدرسة المحمدية للمهندسين ومعهد الحسن الثاني للزراعة والبيطرة، قبل أن ألتحق نهائيا، بعد المباراة، بالمدرسة الوطنية العليا للكهرباء والميكانيك في الدار البيضاء، وهذا مما تحفظه ذاكرتي:
هناك جناح سكني في معهد الحسن الثاني للزراعة والبيطرة يطل على المعهد الوطني للاحصاء والاقتصاد التطبيقي، ولا يكاد يمر أسبوع واحد دون أن يخرج فريقان من نوافذ هذا المعهد وذاك لتبادل الشتائم بشكل أفظع مما سمعناه من تلاميذ العثماني..
وفي الدار البيضاء يجتمع طلبة من المدرسة الوطنية العليا للكهرباء والميكانيك في الجناح المطل على المدرسة العليا للتكنولوجيا ويتبادلون الشتائم بشكل أشبه إلى مجرمي الحق العام..
هؤلاء طلبة مهندسون، من خيرة طلبة جيلهم، وكلهم اليوم في مراكز المسؤولية في الادارة العمومية والخاصة..
ما لفت انتباهي ذات مرة، في الرباط، أن طلبة من المدرسة المحمدية إذا ذهبوا إلى معهد الحسن الثاني للزراعة والبيطرة يستمتعون باستفزاز طلبة المعهد الوطني للاحصاء، بألفاظ نابية تستمد وجودها من نوع من الفوقية التي كان مهندسو الدولة يشعرون بها تجاههم وقتها إذ لم يحصلوا بعد على هذا اللقب..
قلت لأحدهم ذات مرة على سبيل الدعابة: الله يجعل تالينا احسن من أولنا.. يييه يا المدرسة التي كانت تحمل مشعل النضال الطلابي، وكانت تستفرد بالنقاشات المجتمعية والسياسية الحارقة..
فرد علي ردا يلخص كل الحكاية: كانوا كذلك، ولكنها منذ أن عسكرت، لم تتجمد عقول الطلبة فقط، بل إن التربص العسكري الميداني الذي نجريه كل يونيو في ثكنة الحاجب لم يعلمنا الا الفظائع..
المشكلة لا علاقة لها بالمستوى التعليمي..
وبالنسبة للنوستالجيين فإن المشكلة ليست حكرا على هذا الجيل..
المشكلة في السياسات التي أجهزت على التعليم منذ زمن بعيد.. وعلى الذين يشعرون حقا بحرقة هذا الوطن أن يكفوا على لعن روح السماء، والنضال من أجل تغييرها..
*للتواصل مع الكاتب: https://www.facebook.com/sasalmi
التعليقات