من أجل اشباع فضولنا المعرفي المتطلع للوقوف على الطريقة التي تناولت بها السوسيولوجيا المعضلة الاجتماعية للفقر تعريفا ومنهجا ونظرية، أق...
من أجل اشباع فضولنا المعرفي المتطلع للوقوف على الطريقة التي تناولت بها السوسيولوجيا المعضلة الاجتماعية للفقر تعريفا ومنهجا ونظرية، أقترح تعريب هذه الدراسة ذات الصلة التي أنجزتها ماريز بروسون Maryse bresson، أستاذة علم الاجتماع بجامعة Saint-Quentin-en-Yvelines ونشرت على صفحات موقع إلكتروني بهذا الرابط: https://www.cairn.info/revue-pensee-plurielle-2007-3-page-9.htm.
تقديم وترجمة: أحمد رباص
- مقدمة عامة
إنذا ما صدقنا أعمال المؤرخين حول ظاهرة الفقر، فإننا نجد أنه رافق تاريخ الإنسانية، شكل جزءا لا يتجزأ من الوضع البشري، وهدده منذ الأزل (Geremek, 1987). بيد أن المقاربة السوسيولوجية تميل إلى معارضة هذه البداهة لأن كلمة "الفقر" تغطي مجموعة واسعة من الحالات: من تلك المتعلقة بالفروق في مستوى المعيشة إلى مأساة الفقر المدقع والفقر تحت درجة الصفر. . هل يشكل الفقر مشكلة أبدية للإنسانية، أو وسيلة لطرح مشاكل قديمة، إذن (ربما) متجاوزة؟ السؤال المصوغ هكذا، يسائل عمل التصنيف الذي ينجزه عالم الاجتماع، من خلال استفساره عن أساليبه وفرضياته النظرية.
الفقر كلمة شائعة، في وقت واحد تستعمل ويتنافس عليها الآخرون لوصف وتحليل "مشاكل" أفراد أو جماعات بأسرها في المجتمع. وهي أيضا مقولة للتحليل وموضوع للدراسة في العلوم الإنسانية، على أساسها بنت عدة أجيال من الباحثين، في جميع القارات، قاعدة من المعارف، في مختلف التخصصات: في التاريخ، في الاقتصاد، في الجغرافيا، في علم الاجتماع على وجه الخصوص. في أوروبا، حيث نشأ علم الاجتماع في القرن التاسع عشر، لا يزال بعض كتاب هذه الفترة يشكلون اليوم مرجعيات لا يمكن إهمالها عندما يتعلق الأمر بالفقر: على سبيل المثال، لويس رينيه فيليرمي Louis René Villermé,، عن لوحته التي صور فيها الحالة المادية والمعنوية للعمال في فرنسا (1840)، أو جورج سيمل Georg Simmel عن أطروحته حول الفقراء في ألمانيا (1908). فيما بعد خفت حدة السؤال .. في سنوات 1960-1970، كان من المسلم به عموما أن هذه "المشكلة" تم حلها في البلدان الغنية النامية، حيث اقتصرت فقط على شكل بقايا من ("العالم الرابع"). وشهدت سنوات 1980 - 1990 عودة الفقر بقوة باعتبارها قضية الساعة، اجتماعية وسوسيولوجية على حد سواء. وفي السنوات الأولى من الألفية الثانية، ساهمت التغطية الإعلامية لبؤس المشردين، وتسليط الأضواء على وجود "عمال فقراء" في تبرير عودة الفقر، ما أدى الى الوعي بآخر التطورات. المناقشات حول الفقر بين الباحثين والملفات الخاصة به في المجلات تضاعفت من جديد .
يجب أن نضع هذه العودة موضع تساؤل. ألسنا بصدد نسيان أوجه القصور النظرية والمنهجية للمفهوم، والتي أبرزها الكتاب المؤلفون.. ندد سيرج بوغام Serge Paugam، الذي نشر في 2005 كتابا بعنوان "الأشكال الأساسية للفقر"، بمفهوم قبلي ودعا إلى تجاوزه عام 1991 في كتابه عن "انعدام الأهلية الاجتماعية: دراسة حول الفقر الجديد". واليوم، بعدما صارت أي إشارة إلى "الجدة"، متجاوزة فإن مقولات أخرى أكثر "حداثة" قد تبدو مفضلة: الهشاشة على وجه الخصوص (Bresson, 2007).
في مرحلة أولى، سنشرح أسباب الاحتفاظ بحذر حيال استخدام هذه المقولة، مع التذكير بالانتقادات المنهجية التي يمكن أن تتعرض لها. من زاوية نظرية، سوف نؤكد أن الأمر يتعلق بوسيلة لطرح مشاكل اجتماعية، من بين وسائل أخرى - هناك نماذج إرشادية أخرى في علم الاجتماع، مثل التهميش أو الهشاشة.
وفي مرحلة ثانية، سنجادل من ناحية أخرى لتبرير راهنية هذه المقاربة، بشرط أن نتساءل بالتحديد عن الأشكال الخاصة التي تأخذها في المجتمعات المعاصرة. وسندعو إلى اعتبار أن الفقر و / أو التفقير يشكلان على وجه التحديد خطرا كبيرا يرتبط اليوم بالهشاشة، في وقت لم يعد فيه أحد يؤمن بالتقدم الاجتماعي بوصفه الأفق الطبيعي لمجتمعاتنا.
1- الفقر، مقولة معرضة للنقد
كان علم الاجتماع منذ بدايته مهتما بالفقر - ألم يعتبر تفقير العمال في القرن التاسع عشر المسألة الاجتماعية الرئيسية التي تهدد أسس المجتمع الرأسمالي والجمهورية كليهما؟ ومع ذلك، فإن التماسك الاجتماعي أو المنطق العام للنظام الاقتصادي والاجتماعي وطفراته استرعت أنذاك على وجه التحديد المزيد من اهتمام الكتاب الكبار. وفي القرن العشرين، عندما انقسم العلم إلى تخصصات وجزأ الواقع إلى فضاءات مفتوحة، لم يجعل الفقر واحدا من "حقوله". وفي هذا الإطار العام يطرح السؤال: ما هو الفقر بالنسبة لعالم الاجتماع، أي: ما هو معناه وما سبب استخدام أو عدم استخدام الكتاب لهذا المصطلح؟
(يتبع)
تعليقات