المسكوت عنه في تعيين السفراء الجدد، الذي جرت مراسيمه بداية الأسبوع الماضي، أن هناك جمرةً حمراء ساخنة رماها السفير السابق في المكسيك، ع...
المسكوت عنه في تعيين السفراء الجدد، الذي جرت مراسيمه بداية الأسبوع الماضي، أن هناك جمرةً حمراء ساخنة رماها السفير السابق في المكسيك، عبد الرحمان ليبيك، قبل سنة ونيف، من مقلاعه الديبلوماسي من مكسيكو، داخل أسوار القصر في الرباط، بعد 25 سنة من الخدمة في البلاط الملكي، جعلته يغيب عن لائحة التعيينات الجديدة، وجعلت حداً لمشواره في الادارة بشكل نهائي
ليبيك، لمن لا يعرفه، واحد من كوادر جبهة البوليساريو الذين استقطبهم الحسن الثاني أوائل التسعينيات، على غرار الوالي السابق عمر الحضرمي، والقياديي الحزبي بيد الله وآخرين. وهو مهندس ذكي، من خريجي مدرسة المعادن وحاصل على دبلوم العلوم السياسية في "مالقا". عندما استقطبه البصري كان إطاراً في شركة النفط الجزائرية "سوناتراك" في سكيكدة، وتم تعيينه في منصب شكلي في وزارة الخارجية للمساعدة على تنسيق عمل الهيئات الاممية التي كانت تعد عملية الاستفتاء في الصحراء. وفي سنة 2003 عُين قنصلا عاما في "لاس بالماس"، وهو المنصب الذي ظل يشغرة الى نهاية سنة 2011 عندما عين سفيرا في المكسيك.
بداية السنة الماضية تم استدعاؤه من مكسيكو على عجل، وسط تكتم شديد، وكنت أتابع الصحف التي اعتادت التعليق على انتقالات السفراء وتعيينهم، لعلها تورد الخبر، إلا أن القضية في ما يبدو لم تسرًب، أو تعرضت للرقابة بسبب حساسيتها وحساسية قضية الصحراء عموما مع أنها قضية يجب أن تخضع هي الأخرى لمراقبة الصحافة على غرار كل الملفات التي تخضع لمسؤولية الجهاز التنفيذي..
تعيين الفوج الجديد من السفراء خلال الأسبوع الماضي، من دون ليبيك، قطع الشك باليقين أن القضية لم تُحتوَ، وأن مشواره في البلاط قد انتهى فعلا. فماذا فعل ليبيك في مكسيكو؟
حسب مصدر مطلع فإن سبب استدعائه صراع لي الذراع دام سنتين ونيف بينه وبين مسؤول في الموارد البشرية في الوزارة حول أمور إدارية اعتيادية تافهة تخص تدبير السفارة، ولأن هذا المسؤول ابن أحد النافذين في الجيش، فقد استعصى على السلطة الرمزية للسفير "فوق العادة"، وانتهى الصراع بانفجار السفير في وجه المسؤول وسار يطعن في كفاءة الجسم الدبلوماسي المغربي والمؤسسة العسكرية واستخف بكفاءة الملك حتى. ولأنه سفير فوق العادة فقد استوجب الأمر ابلاغ الملك لكي يستدعى في اليوم الموالي على عجل الى الرباط وتم التكتم على الملف.
بعدها بأسابيع قليلة تحدثت الصحف عن تعيين السفير الذي كان في غواتيمالا، محمد شفيقي، في المكسيك، ولم يأت إعفاء ليبيك على لسان أحد.
وحسب نفس المصدر فقد سبق للسفير ليبيك أن تمرد على الأعراف المرعية المخزنية سنة 2009، عندما أضربت الناشطة أميناتو حيدر عن الطعام، وكان وقتها قنصلا في لاس بالماس، وأمام صمت مغربي رسمي مطبق، عقد ندوة صحفية للحديث في الموضوع، وبعدها مباشرة تلقى اتصالا هاتفيا من مسؤول نافذ في القصر وبًخه بلهجة شديدة وطلب منه التزام الصمت والا "نغبروك".
مع ذلك، سنة 2011، عندما اندلعت احتجاجات 20 فبراير قام الملك بتعيينه ضمن لجنة صياغة الدستور، وكان الدبلوماسي الوحيد في اللجنة.
بعدها عينه الملك سفيرا في المكسيك نهاية 2011، ضمن السفراء الـ 28 الذين أثير جدل حول مدى دستوريته، الى ان وقعت الواقعة، وانتهى مشوار السفير
أعتقد أنه سيكون من المبالغة أن يتحدث المرء عن اختراق البوليساريو للدبلوماسية المغربية في حالة ليبيك، ولكنها تعكس أمرين اثنين:
أولهما ضرورة القطع مع عقلية الريع السياسي في التعيينات الدبلوماسية بشكل عام، على حساب الكفاءة والإستحقاق. يجب الكف عن التعامل مع التعيين في السفارات وكأنها مأذونيات يقايض بها السياسيون، حزبيون وغير حزبيين، خصوصا عندما تعوزهم الكفاءة، على غرار السفير السابق في فرنسا فتح الله السجلماسي، الذي تم تعيينه لأنه مقرب من عباس الفاسي وفي ظرف وجيز أعفي للأسباب المعروفة، أو عندما يعيًنوا سفراء "فوق العادة"، لأن هذا الوضع الإعتباري غالبا ما يكون ضوءًا أخضر للفساد والتوظيفات الوهمية (هناك مثلا خادمة في بيت لبيك، من عائلة زوجته، تتلقى أجرها من وزارة الخارجية مع أنها في المغرب ولا تقيم في المكسيك 15 يوما في السنة، ولكنه كان فوق المساءلة).
الأمر الثاني الذي تجسده حالة عبد الرحمان ليبيك، أنها تعكس وجها آخر، ربما أخطر، لفشل الريع في تدبير قضية الصحراء. هذه القضية التي تثبت الوقائع يوما بعد يوم أن حلها يكمن في دمقرطة النظام السياسي، والتوزيع العادل للثروة، والقطع مع أساليب السلطوية والفساد.. وليس الريع، بكل أشكاله..
*www.facebook.com/sasalmi
*www.facebook.com/sasalmi
التعليقات