لمدة عقود وأزمنة تناسوا مدينة الحسيمة وكل مدن وقرى الريف عموما، إلى درجة أنهم إقتنعوا بأن الأمر مجرد إشاعة لا أثر لها في خريطة إهتماما...
لمدة عقود وأزمنة تناسوا مدينة الحسيمة وكل مدن وقرى الريف عموما، إلى درجة أنهم إقتنعوا بأن الأمر مجرد إشاعة لا أثر لها في خريطة إهتماماتهم وأسبقياتهم التي ليست بالضرورة أولويات شعب بأكمله حكم عليه حضوريا وغيابيا بأن يظل سجين جغرافية التفقير والنهب المنهجي للثروات ، والحقوق.
وحين خرجت جماهير الحسيمة الأبية إلى الميادين فلكي تكذب وهما طال وإستطال بأن الريف أسطورة لاوجود لها ، وفي أحسن الأحوال مجرد بقعة جغرافية تسودها العتمه والضلام وتعيش على إيقاع الأحلام المؤجلة في إكتساب مقومات الكرامة الإنسانية من صحة وتعليم وسكن وعدل وحق الجهر بالرأي وبالهوية والتملك التام لثقافة الأباء والأجداد.
ويخطئ من يعتقد ان هذه المطالب المشروعة هي وليدة اليوم بل كانت حاضرة بقوة منذ عقود مديدة، وكان لي شرف الإلتقاء بالجمهور الرائع والفعاليات الجمعوية و الطلابية والسياسية التي كانت تستضيف عروضي الفنية ; تحضنها في وقت ثم فيه تصعيد الحصار ضدي، وكنت اتقاسم معهم مضامين دفتر مطالبهم التي ووجهت بالرصاص والقمع المنهجي والإعتقالات التعسفية.
و تأكدت حينها ان الريف إنتفاضة شعبية لم يخمد لهيبها منذ عشرينيات القرن الماضي حين أبهر الأبطال الريفيون العالم أجمع بقدرتهم الفائقة على مواجهة أكبر دولتين إستعماريتين في ذلك الزمان (إسبانيا وفرنسا).
لقد رحل المستعمر لكن هل حل بعده الإنصاف ورد إلاعتبار لمنطقة مناضلة حاولوا تحويلها إلى منتجع سياحي خاص بأصحاب اليخوت الفاخرة والثروات المشبوهة و القصور الفخمة التي تطل على عذابات المفقرين والمنهوبين بعد الرهان الفاشل على صمتهم وإستكانتهم سيطول إلى الأبد الأبدين .
كان محمد عبد الكريم الخطابي يقول "لا أرى في هذا الوجود إلا الحرية ، وكل ما سواها باطل و الكفاح الحقيقي هو الذي ينبثق من وجدان الشعب لأنه لا يتوقف حتى النصر" ولعل هذه الأهداف هي التي تجلت من جديد في ميادين الإحتجاج، خصوصا وهي قد إستمدت قوتها من كونها جاءت بعيدا عن "المؤسسات" المغشوشه الخاضعة لإملاءات الفوقية والفاقدة لأي إستقلالية أو مصداقية، ولكنها جاءت بريئة من السياسة السياسوية مدفوعة الثمن، ولا تعكس سوى براءة الشعب من الشوائب وسلامة حبه لأرضه وموروثه التاريخي، لذلك فإنها غير قابل الإستقطاب والتدجين ولا تخضع ولتقنيات إمتصاص الغضب وتحويل أنهار هذا الغضب عن مجراها الحقيقي ذلك أن الأنهار لها ذاكرة قوية و تعرف أين المصب وأين المنتهى و لا تخطئ موعدها أبدا مع منطق التاريخ.
التعليقات