إلى كان لحكام نابع من الإرادة الشعبية يمكن نتكلموا عن العزة ، والى كان لحكام مسيطر على أنفاس عباد الله بقوة الحديد والتسلط ، فكيف يمكن...
إلى كان لحكام نابع من الإرادة الشعبية يمكن نتكلموا عن العزة ، والى كان لحكام مسيطر على أنفاس عباد الله بقوة الحديد والتسلط ، فكيف يمكن الربط بين مفهومين متناقضين تماما شي كيشرق وشي كيغرب ، المفهومين هما " العبودية " والإرادة الطوعية ؟
لقد استطاع الفرنسي " اتيين دو لابويسي " في القرن السادس عشر والمصري عبد الرحمان الكواكبي في القرن العشرين، الإجابة عن هذا السؤال العميق والعويص حين اعتبرا بان الاستبداد والتحكم ليس فعلا سياسيا فقط، بل يمكن أن ينبع الإستبداد من الإنسان نفسه حين يقتنع خطأ بأن " فضائل و محاسن " التسلط والسيطرة أكثر من زلاتها ، وهو ما تترجمه المقولة المغربية القديمة " الله يعز لحكام " ذات المرجعية المهيمنة ، التي تسوق للتحكم في مصير البلاد والناس كمخرج وحيد من الانحرافات، وكأن الشعوب مجرد فئران تجارب، أو أطفال غير راشدين لا بد من " تربيتهم " باش ادخلوا لجواهم مرة بالعصا وبعض المرات بالجزرة، وغالبا إن لم يكن دائما بالعصا والجزر والقمع المنهجي.
كتب الكواكبي في مؤلفه " طبائع الإستبداد و مصارع الإستعباد " إن أقبح أصناف الإستبداد السياسي هي استبداد الجهل على العلم واستبداد النفس على العقل، وقال أن الإنسان ولد حرا قائده العقل فأبى ألا أن يكون عبدا قائده الجهل.
والمستبد فرد عاجز لا حول ولا قوة له إلا بأعوانه أعداء العدل وأنصار الجور.
وان تراكم الثروات المفرطة هو مولد الاستبداد، فكما يقال كل سلطة مطلقة مفسدة مطلقة.
والاستبداد أصل لكل فساد، والمستبد في لحظة جلوسه على الحكم يرى نفسه كان إنسانا فصار إلاها.
أما " لابويسي " فركز كتابه عن " العبودية الطوعية " أو المشتهاة ، ليس على الطغاة و المستبدين وإنما على " الرعايا " الذين يزكون الاستبداد ويشتهون استمرار التحكم فيما الوصول إلى الحرية هو ألا تكون سيدا ولا عبدا ، وإنما مؤمنا بالمساواة للجميع.
واعتقد أننا في المغرب كباقي الدول التي تسير على نهجه، وتستوحي أدبياتها من نفس المصادر، لا بد أن نقوم بمراجعة جذرية للعديد من الأمثال و "الحكم" التي تتحكم في ذاكرتنا الجماعية، فيما هي ملغومة بالدعوة، إلى القبول الطوعي بكافة أنواع التسلط السياسي والفكري والاقتصادي، ليس فقط كقدر محتوم بل كضرورة حيوية ومنهاج حياة .
وكنت ولا زلت خلال الوقفات الاحتجاجية والأنشطة الحقوقية والإبداعية بمراجعة القواميس اللغوية عندنا المحشوة بتعابير الخنوع والخضوع والقبول بالواقع الهيمني المستبد كحل وحيد لمأساة الإنسان في بلداننا، فالأفضل أن نقوم بذلك قبل أن يحذف المستبدون من القواميس كل ما يشير من قريب أو بعيد إلى مناهضة الظلم والعبودية والتصدي ﻠ "حكم " من قبيل " الله يعز لحكام ".
*احمد السنوسي
التعليقات