زاهي وهبي* في زمنٍ يختلط فيه الفن بالصمت، تبرز بيلي إيليش كأيقونة لجيلٍ يرفض الحياد. نجمةٌ عالمية لم تكتفِ بالجوائز، بل اختارت الانحياز إل...
![]() |
| زاهي وهبي* |
نافلٌ أن السياسة حاضرة في كل شيء. حتى أولئك الذين يظنون أن لا علاقة لهم بها، يتنحون جانباً ولا يأخذون موقفاً من أي شيء، فإنهم يمارسون فعلاً سياسياً من دون معرفة أو دراية. ولعل الفن والأدب من أكثر القطاعات ارتباطاً بالسياسة حتى لدى الذين يختارون الصمت في اللحظات الحرجة، ويحاولون النأي بأنفسهم عن اتخاذ موقف، على سبيل النجاة.
واقعاً ثمة قلةٌ شجاعة في زمن أغبر، وفي عالم تذوب فيه الحدود بين الفن والسياسة، من ضمن هذه القلة يبرز اسم النجمة الأميركية العالمية وأيقونة جيل Z بيلي إيليش التي تمسك بريشة موسيقاها وألوان ضميرها لترسم لوحة إنسانية نادرة. بيلي ليست مجرد أيقونة غنائية تحصد جوائز «الغرامي» وتثير إعجاب الملايين، بل هي صوتٌ صريح يُرفع في وجه الظلم، ونجمةٌ قرّرت أن تضيء في عتمة الصمت.
في خضمّ جريمة الإبادة الإسرائيلية الجماعية في غزة، اختارت إيليش أن تكون في صفّ الإنسانية، داعمةً للقضية الفلسطينية، رافضةً جريمة التهجير القسري، وصامدةً بوجه عواصف الضغوط التي تتعرض لها. إنّها قصة فنانة تتحوّل إلى شاهد على العصر، وشعلة تضيء درب الضمير العالمي.
لم يكن موقف بيلي إيليش مجرد تعليق عابر، بل كانت صرخة مدوية في وجه ما وصفته بشجاعة بـ «الخطة المرعبة» لإسرائيل لتهجير أهالي غزة وحشرهم في رفح. ونشرت على حسابها في إنستغرام مقطع فيديو يُظهر وزير الأمن الإسرائيلي يسرائيل كاتس وهو يناقش هذه الخطط، معبّرةً عن رفضها الشديد لها.
هذا الموقف لم يأتِ من فراغ، فهو امتداد لمسيرة تضامن واضحة. ففي حفل توزيع جوائز الأوسكار 2024، كانت إيليش وشقيقها فينياس من بين النجوم الذين ارتدوا الدبابيس الحمراء التي اختارها «فنانون من أجل وقف إطلاق النار» (Artists4Ceasefire)، كأداة تعبير سياسية معلنين بجلاءٍ مطالبتهم بوقف إطلاق النار الفوري في غزة.
وتواصل إيليش التعبير عن هذا الموقف بثبات، إذ شاركت في أيلول (سبتمبر) الماضي في فيديو حملة «معاً من أجل فلسطين» (Together for Palestine)، الذي جمع عشرات المشاهير لدعوة القادة السياسيين حول العالم للتدخل.
وفي هذا الفيديو، قالت إيليش بالشجاعة ذاتها: «علينا قول الحقيقة نيابة عن شعب فلسطين». كما انضمّت إلى دعوة جماعية، مع نجوم مثل كيليان مورفي وخواكين فينيكس، للمطالبة بوقف إطلاق النار وجمع التبرعات للمنظمات الإغاثية الفلسطينية. مواقفها هذه تجسّد تحوّلاً عميقاً من فتاة الـ19 عاماً التي واجهت انتقادات حادة في 2021 لمجرد ترحيبها بـ«إسرائيل» في فيديو ترويجي لألبومها إلى فنانة ناضجة تدرك ثقل كلمتها وتوظفها في الدفاع عن الحقوق الإنسانية الأساسية.
وقد بلغ الأمر ذروة الاستفزاز عندما دوّن جنود الاحتلال اسمي بيلي إيليش ومارك رافالو على قذائف مدفعية قصفوا بها غزة، ساخرين منهما بسبب دعمهما الصريح للشعب الفلسطيني. هذه الخطوة، التي تضع اسم فنانة على أداة إبادة، ليست سوى دليل صارخ على حجم الغضب الذي أثارته كلمتها، وهي في الوقت نفسه شهادة على مدى تأثير صوتها.
لكن إيليش لم تتراجع. لم تُسكتها التهديدات الضمنية ولا السخرية المباشرة. استمرت في الحديث، في التواقيع على العرائض، وفي الظهور في الحملات الخيرية. هذا الصمود ليس مجرد عناد، بل هو إيمان راسخ بدور الفنان في المجتمع. إنها تتبنّى فكرة أن «دور الفنان في المجتمع هو التعبير عن رأيه، والمخاطرة بقول الحقيقة للسلطة». في عالم يرى البعض فيه أن الفن يجب أن يبقى بعيداً من السياسة، تذكّرنا إيليش بأن الصمت أمام الظلم هو موقف سياسي بحدّ ذاته، وأن الفن الأصيل لا يمكنه أن يعيش في برج عاجي بينما العالم يحترق.
كلمتها هي صوت لجيل يرفض أن يكون شاهداً صامتاً على ما تعترف به محاكم دولية كالمحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية كجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وإبادة جماعية. في ساحة أصبح الصمت فيها تواطؤاً، تختار إيليش أن تكون في جانب التاريخ الذي يقف مع المضطهد، مع الإنسان بغض النظر عن هويته أو مكانته.
لا مغالاة في القول إن بيلي إيليش تمثّل نموذجاً ملهماً لفنّ لا يخاف، وضمير لا يصمت. هي تثبت أن النجومية الحقيقية لا تقاس بعدد الجوائز فحسب، بل بقدرة النجم على استخدام نوره لإضاءة الزوايا المظلمة في العالم. في زمن الإبادة، وقفت مع الضحايا. وفي زمن الضغوط، صمدت مع الحقيقة. ربما لن تغيّر كلماتها الواقع بين ليلة وضحاها، لكنها بكل تأكيد تسهم في كسر حاجز الصمت العالمي، وتقدّم درساً في أن الفن، حينما يمتزج بالشجاعة والإنسانية، يصبح أقوى من أي صاروخ.
كما حفرت اسمها في التاريخ الموسيقي بأن أصبحت ثاني فنان على الإطلاق وأول فنانة تفوز بالجوائز الأربع الكبرى (ألبوم العام، تسجيل العام، أغنية العام، أفضل فنان صاعد) في ليلة واحدة عام 2020. تُوِّجت مسيرتها بتسجيل الموسيقى التصويرية لأضخم أفلام هوليوود، إذ فازت بجائزة الأوسكار لأفضل أغنية أصلية مرتين، عن No Time to Die لفيلم «جيمس بوند»، وWhat Was I Made For? لفيلم «باربي». ويمكن إيجاز الجوائز الرئيسية التي نالتها حتى الآن بـ: 9 جوائز غرامي، 2 جائزة أوسكار، 2 جائزة غولدن غلوب.
عموماً فازت بما يزيد على 184 جائزة من أصل 483 ترشيحاً في مسيرتها حتى الآن.
احتلت 3 من ألبوماتها الصدارة في القوائم العالمية: When We All Fall Asleep.. (2019)، Happier Than Ever (2021)، و Hit Me Hard and Soft (2024).
هذه المكانة الفنية الاستثنائية، التي بُنيت على إبداع لا يُجارى وشهرة تعبر الحدود، هي التي تعطي لصوتها الإنساني وزناً وقدرة على اختراق الضجيج، لتجعل من تأييدها لقضية إنسانية قولاً فاعلاً وليس مجرد تعليق عابر.
بيلي إيليش ليست مجرد نجمة بوب، بل أصبحت ظاهرة ثقافية تمثل صوت جيلها (جيل Z) وأيقونته.
· توتر عالمي: تعكس موسيقاها وكلماتها ذات الطابع الكئيب والمشاعر المظلمة القلق الوجودي والعزلة التي يشعر بها الكثيرون في العصر الحديث.
· صراحة غير معهودة: تحدثت بانفتاح عن معاناتها مع الاكتئاب والأفكار الانتحارية، ما كسر حواجز وصمة العار حول الصحة النفسية وسمح لملايين المعجبين بالشعور بأنهم أقل وحدة.
· علاقة فريدة بالجمهور: تتعامل مع معجبيها كما لو كانوا «أفضل أصدقائها»، وتُصرح بأنهم جزء لا يتجزأ من هويتها حتى في علاقاتها الشخصية، ما يعمّق ارتباطهم بها.
· النمو تحت الأضواء: وصفت التجربة بأنها «مؤلمة»، حيث كان عليها أن تدافع باستمرار عن آرائها وأفعالها عندما كانت مراهقة تحت مجهر الرأي العام العالمي.
· تحديات جسدية ونفسية: عانت من «متلازمة توريت» وإصابات جسدية حالت دون حلمها بالرقص المحترف، ما أسهم في توجهها الفني وأضاف طبقة من المعاناة إلى فنها.
· صراع مع الشهرة والسلطة: تناولت في أغنية Your Power موضوع إساءة استخدام السلطة والنفوذ في العلاقات، وهي قضية شخصية وأوسع تلقى صدى قوياً لدى جمهورها.
-التطور الأسلوبي والمسؤولية الاجتماعية:
شخصيتها العامة تتسم برفض الاستمرار في صندوق واحد، ومسؤولية أخلاقية متنامية.
· تحدي الصور النمطية: اشتهرت بملابسها الفضفاضة التي تحدثت عن تجنب التقييم بناء على الجسد، ثم صدمت الجميع بمظهر مختلف في مجلة «فوغ» البريطانية، مؤكدة على حرية التعبير ورفض أن يتم تعريفها بصورة واحدة.
· التزام بيئي وأخلاقي: جولتها العالمية Happier Than Ever كانت محايدة كربونياً ونباتياً، متأثرة بأمها الناشطة البيئية.
· تحول في الموقف السياسي: كما أشرنا سابقاً، تطورت من حدث تسويقي تسبب في انتقادات عام 2021 إلى موقف صريح وداعم لوقف الحرب في غزة، وهو تحول يعكس نضجاً وتحملاً للمسؤولية رغم المخاطر المهنية.
تُمثل بيلي إيليش حالة فريدة حيث يتشابك النجاح الاستثنائي مع الضعف الإنساني الصريح والضمير الاجتماعي النامي. تأثيرها يتعدى الموسيقى ليكون مصدر إلهام وتعبير لجيل، وخطاباً عن مواجهة التحديات النفسية، وشجاعة في تبني مواقف أخلاقية في عالم معقد.
هل تعرفهم الأجيال العربية الشابة بمعناها الجماهيري الواسع؟ هل يحتفى بهم؟ هل تتم دعوتهم إلى المهرجانات العربية؟ هل يمنحون الجوائز؟ أم أن هذه الأمور عندنا وقفٌ على التافهين والسطحيين وأصحاب اللاموقف؟
واجب الوجوب ألا تُنسى مواقف هؤلاء، وأن تبقى محفورة في الذاكرة والوجدان. وهنا يحضرني سؤال: مَن يتذكّر الممثلة العظيمة فانيسا ردغريف؟ ولهذا حديث آخر.
واقعاً ثمة قلةٌ شجاعة في زمن أغبر، وفي عالم تذوب فيه الحدود بين الفن والسياسة، من ضمن هذه القلة يبرز اسم النجمة الأميركية العالمية وأيقونة جيل Z بيلي إيليش التي تمسك بريشة موسيقاها وألوان ضميرها لترسم لوحة إنسانية نادرة. بيلي ليست مجرد أيقونة غنائية تحصد جوائز «الغرامي» وتثير إعجاب الملايين، بل هي صوتٌ صريح يُرفع في وجه الظلم، ونجمةٌ قرّرت أن تضيء في عتمة الصمت.
في خضمّ جريمة الإبادة الإسرائيلية الجماعية في غزة، اختارت إيليش أن تكون في صفّ الإنسانية، داعمةً للقضية الفلسطينية، رافضةً جريمة التهجير القسري، وصامدةً بوجه عواصف الضغوط التي تتعرض لها. إنّها قصة فنانة تتحوّل إلى شاهد على العصر، وشعلة تضيء درب الضمير العالمي.
لم يكن موقف بيلي إيليش مجرد تعليق عابر، بل كانت صرخة مدوية في وجه ما وصفته بشجاعة بـ «الخطة المرعبة» لإسرائيل لتهجير أهالي غزة وحشرهم في رفح. ونشرت على حسابها في إنستغرام مقطع فيديو يُظهر وزير الأمن الإسرائيلي يسرائيل كاتس وهو يناقش هذه الخطط، معبّرةً عن رفضها الشديد لها.
هذا الموقف لم يأتِ من فراغ، فهو امتداد لمسيرة تضامن واضحة. ففي حفل توزيع جوائز الأوسكار 2024، كانت إيليش وشقيقها فينياس من بين النجوم الذين ارتدوا الدبابيس الحمراء التي اختارها «فنانون من أجل وقف إطلاق النار» (Artists4Ceasefire)، كأداة تعبير سياسية معلنين بجلاءٍ مطالبتهم بوقف إطلاق النار الفوري في غزة.
وتواصل إيليش التعبير عن هذا الموقف بثبات، إذ شاركت في أيلول (سبتمبر) الماضي في فيديو حملة «معاً من أجل فلسطين» (Together for Palestine)، الذي جمع عشرات المشاهير لدعوة القادة السياسيين حول العالم للتدخل.
وفي هذا الفيديو، قالت إيليش بالشجاعة ذاتها: «علينا قول الحقيقة نيابة عن شعب فلسطين». كما انضمّت إلى دعوة جماعية، مع نجوم مثل كيليان مورفي وخواكين فينيكس، للمطالبة بوقف إطلاق النار وجمع التبرعات للمنظمات الإغاثية الفلسطينية. مواقفها هذه تجسّد تحوّلاً عميقاً من فتاة الـ19 عاماً التي واجهت انتقادات حادة في 2021 لمجرد ترحيبها بـ«إسرائيل» في فيديو ترويجي لألبومها إلى فنانة ناضجة تدرك ثقل كلمتها وتوظفها في الدفاع عن الحقوق الإنسانية الأساسية.
الصمود في وجه العاصفة
لم يمرّ موقف إيليش الشجاع من دون ثمن. لقد وضعتها خطواتها في مواجهة مباشرة مع آلة الدعاية والضغوط التي لا ترحم. فبعد ظهورها بدبوس وقف إطلاق النار في الأوسكار، هاجمتها بشراسة آلة الدعاية الإسرائيلية والجماعات الصهيونية، ساعيةً إلى تشويه رمزية التضامن الذي عبّر عنه المشاهير.وقد بلغ الأمر ذروة الاستفزاز عندما دوّن جنود الاحتلال اسمي بيلي إيليش ومارك رافالو على قذائف مدفعية قصفوا بها غزة، ساخرين منهما بسبب دعمهما الصريح للشعب الفلسطيني. هذه الخطوة، التي تضع اسم فنانة على أداة إبادة، ليست سوى دليل صارخ على حجم الغضب الذي أثارته كلمتها، وهي في الوقت نفسه شهادة على مدى تأثير صوتها.
لكن إيليش لم تتراجع. لم تُسكتها التهديدات الضمنية ولا السخرية المباشرة. استمرت في الحديث، في التواقيع على العرائض، وفي الظهور في الحملات الخيرية. هذا الصمود ليس مجرد عناد، بل هو إيمان راسخ بدور الفنان في المجتمع. إنها تتبنّى فكرة أن «دور الفنان في المجتمع هو التعبير عن رأيه، والمخاطرة بقول الحقيقة للسلطة». في عالم يرى البعض فيه أن الفن يجب أن يبقى بعيداً من السياسة، تذكّرنا إيليش بأن الصمت أمام الظلم هو موقف سياسي بحدّ ذاته، وأن الفن الأصيل لا يمكنه أن يعيش في برج عاجي بينما العالم يحترق.
ضميرٌ إنساني يتجاوز النجومية
ما الذي يدفع نجمَة في قمة المجد العالمي إلى خوض معركة قد تكلفها الكثير؟ الإجابة تبدو بسيطة ومعقدة في الوقت نفسه: الضمير الإنساني. موقف إيليش ليس تكتيكاً إعلامياً عابراً، بل هو تعبير عن رؤية أوسع للحياة والعدالة. لقد نشأت مثل أبناء جيلها من جيل Z على معلومات متدفقة وهم يشاهدون المآسي مباشرة عبر الشاشات، ما خلق وعياً مختلفاً بمسؤولية التعبير. هي لا تتحدث فقط عن «وقف إطلاق النار» كمصطلح سياسي، بل تربطه بواقع مأساوي ملموس رافضة جريمة قتل أكثر من 70 ألف فلسطيني في غزة، إضافة إلى حرب التجويع والتدمير.كلمتها هي صوت لجيل يرفض أن يكون شاهداً صامتاً على ما تعترف به محاكم دولية كالمحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية كجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وإبادة جماعية. في ساحة أصبح الصمت فيها تواطؤاً، تختار إيليش أن تكون في جانب التاريخ الذي يقف مع المضطهد، مع الإنسان بغض النظر عن هويته أو مكانته.
لا مغالاة في القول إن بيلي إيليش تمثّل نموذجاً ملهماً لفنّ لا يخاف، وضمير لا يصمت. هي تثبت أن النجومية الحقيقية لا تقاس بعدد الجوائز فحسب، بل بقدرة النجم على استخدام نوره لإضاءة الزوايا المظلمة في العالم. في زمن الإبادة، وقفت مع الضحايا. وفي زمن الضغوط، صمدت مع الحقيقة. ربما لن تغيّر كلماتها الواقع بين ليلة وضحاها، لكنها بكل تأكيد تسهم في كسر حاجز الصمت العالمي، وتقدّم درساً في أن الفن، حينما يمتزج بالشجاعة والإنسانية، يصبح أقوى من أي صاروخ.
إنجازات صاغت أسطورة
ولم تأتِ مكانة بيلي إيليش، التي تسمح لها بأن يكون لموقفها هذا الصدى العالمي، من فراغ. فهي ظاهرة فنية قلبت موازين صناعة الموسيقى بأساليبها التجريبية وصوتها العذب الفريد. انطلقت عالمياً من غرفتها في لوس أنجليس عام 2016 بأغنية Ocean Eyes، لتصبح لاحقاً أصغر فنانة في التاريخ؛ ففي عمر الـ 18 عاماً فازت بجائزة «ألبوم العام» في حفل الغرامي عن ألبومها الأول When We All Fall Asleep, Where Do We Go? (2019).كما حفرت اسمها في التاريخ الموسيقي بأن أصبحت ثاني فنان على الإطلاق وأول فنانة تفوز بالجوائز الأربع الكبرى (ألبوم العام، تسجيل العام، أغنية العام، أفضل فنان صاعد) في ليلة واحدة عام 2020. تُوِّجت مسيرتها بتسجيل الموسيقى التصويرية لأضخم أفلام هوليوود، إذ فازت بجائزة الأوسكار لأفضل أغنية أصلية مرتين، عن No Time to Die لفيلم «جيمس بوند»، وWhat Was I Made For? لفيلم «باربي». ويمكن إيجاز الجوائز الرئيسية التي نالتها حتى الآن بـ: 9 جوائز غرامي، 2 جائزة أوسكار، 2 جائزة غولدن غلوب.
عموماً فازت بما يزيد على 184 جائزة من أصل 483 ترشيحاً في مسيرتها حتى الآن.
احتلت 3 من ألبوماتها الصدارة في القوائم العالمية: When We All Fall Asleep.. (2019)، Happier Than Ever (2021)، و Hit Me Hard and Soft (2024).
هذه المكانة الفنية الاستثنائية، التي بُنيت على إبداع لا يُجارى وشهرة تعبر الحدود، هي التي تعطي لصوتها الإنساني وزناً وقدرة على اختراق الضجيج، لتجعل من تأييدها لقضية إنسانية قولاً فاعلاً وليس مجرد تعليق عابر.
تأثيرها الثقافي في جيلها
تأثير بيلي إيليش الثقافي ومواقفها الاجتماعية، يتجاوز النجاح الموسيقي ليشمل تشكيل وعي جيل كامل والتعبير عن قضايا نفسية واجتماعية عميقة. يمكن استكشاف ذلك عبر ثلاثة محاور:بيلي إيليش ليست مجرد نجمة بوب، بل أصبحت ظاهرة ثقافية تمثل صوت جيلها (جيل Z) وأيقونته.
· توتر عالمي: تعكس موسيقاها وكلماتها ذات الطابع الكئيب والمشاعر المظلمة القلق الوجودي والعزلة التي يشعر بها الكثيرون في العصر الحديث.
· صراحة غير معهودة: تحدثت بانفتاح عن معاناتها مع الاكتئاب والأفكار الانتحارية، ما كسر حواجز وصمة العار حول الصحة النفسية وسمح لملايين المعجبين بالشعور بأنهم أقل وحدة.
· علاقة فريدة بالجمهور: تتعامل مع معجبيها كما لو كانوا «أفضل أصدقائها»، وتُصرح بأنهم جزء لا يتجزأ من هويتها حتى في علاقاتها الشخصية، ما يعمّق ارتباطهم بها.
شخصيتها الفنية
. يتشكل فنها من صراعات شخصية عميقة، وهي تتحول علناً أمام أعين العالم.· النمو تحت الأضواء: وصفت التجربة بأنها «مؤلمة»، حيث كان عليها أن تدافع باستمرار عن آرائها وأفعالها عندما كانت مراهقة تحت مجهر الرأي العام العالمي.
· تحديات جسدية ونفسية: عانت من «متلازمة توريت» وإصابات جسدية حالت دون حلمها بالرقص المحترف، ما أسهم في توجهها الفني وأضاف طبقة من المعاناة إلى فنها.
· صراع مع الشهرة والسلطة: تناولت في أغنية Your Power موضوع إساءة استخدام السلطة والنفوذ في العلاقات، وهي قضية شخصية وأوسع تلقى صدى قوياً لدى جمهورها.
-التطور الأسلوبي والمسؤولية الاجتماعية:
شخصيتها العامة تتسم برفض الاستمرار في صندوق واحد، ومسؤولية أخلاقية متنامية.
· تحدي الصور النمطية: اشتهرت بملابسها الفضفاضة التي تحدثت عن تجنب التقييم بناء على الجسد، ثم صدمت الجميع بمظهر مختلف في مجلة «فوغ» البريطانية، مؤكدة على حرية التعبير ورفض أن يتم تعريفها بصورة واحدة.
· التزام بيئي وأخلاقي: جولتها العالمية Happier Than Ever كانت محايدة كربونياً ونباتياً، متأثرة بأمها الناشطة البيئية.
· تحول في الموقف السياسي: كما أشرنا سابقاً، تطورت من حدث تسويقي تسبب في انتقادات عام 2021 إلى موقف صريح وداعم لوقف الحرب في غزة، وهو تحول يعكس نضجاً وتحملاً للمسؤولية رغم المخاطر المهنية.
تُمثل بيلي إيليش حالة فريدة حيث يتشابك النجاح الاستثنائي مع الضعف الإنساني الصريح والضمير الاجتماعي النامي. تأثيرها يتعدى الموسيقى ليكون مصدر إلهام وتعبير لجيل، وخطاباً عن مواجهة التحديات النفسية، وشجاعة في تبني مواقف أخلاقية في عالم معقد.
أسئلة
يبقى السؤال الأهم إزاء ظاهرة مثل بيلي إيليش، أو مثل دِوا ليبا، وسواهما من نجمات ونجوم العالم الذين ينحازون إلى الضمير ويختارون الجهة الصواب من التاريخ ويساندون قضية فلسطين، ماذا نفعل لهم نحن العرب، في مقابل الضغوط الصهيونية الهائلة التي يتعرضون لها، والدعاية المضادة التي تحاول تشويه مواقفهم؟هل تعرفهم الأجيال العربية الشابة بمعناها الجماهيري الواسع؟ هل يحتفى بهم؟ هل تتم دعوتهم إلى المهرجانات العربية؟ هل يمنحون الجوائز؟ أم أن هذه الأمور عندنا وقفٌ على التافهين والسطحيين وأصحاب اللاموقف؟
واجب الوجوب ألا تُنسى مواقف هؤلاء، وأن تبقى محفورة في الذاكرة والوجدان. وهنا يحضرني سؤال: مَن يتذكّر الممثلة العظيمة فانيسا ردغريف؟ ولهذا حديث آخر.
*شاعر وإعلامي لبناني
.webp)

تعليقات