وصية محمد شحرور قبل وفاته

بسم الله، والأمر لله من قبل ومن بعد، ثم أما بعد: أعرف أن بعد موتي، سيقع خلاف حاد بين معارض ومدافع في موضوع: "الترحم علي"...


بسم الله، والأمر لله من قبل ومن بعد، ثم أما بعد:

أعرف أن بعد موتي، سيقع خلاف حاد بين معارض ومدافع في موضوع: "الترحم علي". فمن اقتنع بأفكاري، فسيترحم علي، ويعتبر موتي، مصيبة ألمت بالفكر الإسلامي المعاصر، ومن رفض أفكاري، فسيقول في حقي: إلى جهنم وبيس المصير. مات محمد شحرور، وبقي القرآن والسنة.

أكتب هذه الوصية، لأقول للجميع، ترحموا علي كيفما شئتم. فلست الأول والأخير، الذي سيختلف حول الترحم عليه. لكن اسمحوا لي، لا أريد المدافعين عني، ولا المعارضين لي، أن يتحاربوا ويتقاتلوا فيسبوكيا حول هذه المسألة الجزئية. أريدكم، بكل صدق أن تستمروا في الاجتهاد، للإجابة عن هذا السؤال: كيف نعيش بالقرآن في القرن الواحد والعشرين، كما عاش الرسول والصحابة القرآن في زمانهم، وعاشه الذين جاؤوا من بعدهم في زمانهم؟ كيف نفعل مفاهيم القرآن في عصر الذكاء الصناعي وانهيار الأنظمة القيمية؟ كيف نفهم القرآن لنجيب عن أسئلة زماننا هذا؟

أرجوكم، لا تفجروا في الخصومة بينكم حول الترحم علي. قولوا ماشئتم. قولوا: مات الكافر، مات محرف القرآن. وفي المقابل، ليقل الذين اقتنعوا بأفكاري: مات المفكر العظيم.

أنا مت، لكن السؤال الذي شغلني طيلة حياتي، لم يمت: كيف أجيب من القرآن عن أسئلة المسلمين في زمن الثورات الفسلفية والتكنولوجية؟ وهذا السؤال سيظل فيكم. إما أن تجعلوا القرآن وراء ظهوركم، وتقرأوه على الموتى في المقابر، وإما أن يأتي قوم بدو، يطبقونه تطبيقا داعشيا. السؤال: كيف نحبب القرآن للعالمين؟

أنا الآن بين يدي ربي. أعرف أنني وقعت في أخطاء كثيرة، لكنني سأقول لربي، سهرت الليالي، واعتكفت في المكتبات، لأعرف الناس بمفاهيم القرآن، بعد أن هجروه، ولم يتدبروه. قد أكون أخطأت في الإجابة، لكنني متأكد أنني انشغلت بأهم قضية إشكالية في الوجود: ما العلاقة التي تربط بين الله والإنسان؟ حاولت أن أعز الله تعالى بصفات الكمال والجلال، وفي المقابل أن أعطي الإنسان مكانته اللائقة، أنه مخلوق غير مسلوب الفاعلية في الأرض.

شرف لي، أن أموت، ويرتبط اسمي بدراسة القرآن. لم أقتل شعبا، ولم أسرق ثروة. كما كان لي الحق أن أقول في معاني القرآن كيفما أريد، فللناس الحق، أن يقولوا في ما قلته ما يريدون.

لن أعود لمناقشة مسألة الترحم، أنتم أحرار، لكن تذكروا هذه الآية التي شيبتني: "وقال الرسول يارب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا". لم أرد أن تنطبق علي هذه الآية. قررت أن أعيش وسط القرآن، وأتذوق معانيه، محاولا الإجابة عن أسئلة زماني، لأن القرآن، صالح لكل زمان ومكان.

هذه هي القضية، فهل أنتم مستعدون لاعتناقها، أم أنكم ستشعلون حرب داحس والغبراء في الفيسبوك حول الترحم علي، وتنامون ولم تتدبروا آية واحدة من كتاب الله، ولم تقرأوا وردكم القرآني، بل منا من لم يختم القرآن مطلقا، لكنه سيأتي ليرجمني بالنار. لن أقلق، له الحق في أن يقول ما شاء.

كان القرآن قضيتي، ثم مضيت إلى ربي...

محمد شحرور
أبوظبي
10 دجنبر 2019"

التعليقات

جوجل: 3
  1. رحم الله الفقيد منارة في حياته ومنارب بعد فقدانه ،أمه لرجل فذ اجتهد فاصاب وانا عقولا كثيرة وأعطى للدين معنا ،من خلال الدكتور محمد شحرور تدرك عظمة الكتاب ،أنأ لله وانا اليه راجعون رحم الله الفقيد واسكنه فسيح جنانه .

    ردحذف
  2. الله يرحمك ويغفرلك ويسكنك فسيح جناته واسئل الله ان تكون من الشهداء وان يحشرني معك يوم الفصل

    ردحذف
  3. اسئل الله ان يرحمك ويغفرلك ..انا لله وانا اليه لراجعون
    مصاب جلل وفقد عظيم .رحمك الله واسكنك فسيح جناته وجعل اجتهادك في ميزان حسناتك الي يوم الفصل

    ردحذف

الاسم

اخبار العالم,2036,اخبار العرب,1751,اخبار المغرب,6538,أرشيف,10,أسبانيا,4,اسبانيا,177,أستراليا,1,اسكوبار الصحراء,7,إضاءة,1,إطاليا,5,إعلام,308,إعلام فرنسي,5,إفريقيا,59,اقتصاد,999,أقلام,15,الإتحاد الأوروبي,6,الأخيرة,1,الأردن,1,الإمارات,3,الأمم المتحدة,20,البرازيل,11,الجزائر,302,السعودية,15,الصحة,118,الصين,26,ألعراق,1,العراق,4,الفضاء,1,القدس,4,ألمانيا,23,المراة,129,الملف,25,النمسا,1,ألهند,1,الهند,2,الولايات المتحدة الأمريكية,75,اليمن,23,إيران,47,ايطاليا,1,باكستان,1,برشلونة,1,بريطانيا,1,بلجيكا,7,بيئة,15,تاريخ,5,تحقيق,1,تحليل,2,تدوين,763,ترجمة,1,تركيا,20,تغريدات,31,تغريدة,6,تقارير,1315,تقرير صحفي,76,تونس,91,ثقافة,2,جنوب إفريقيا,4,جنين,1,حرية,389,حزب الله,13,حماس,5,حوارات,80,ذكرى,2,روسيا,76,رياضة,376,زاوية نظر,41,زلزال الحوز,75,سوريا,14,سوسيال ميديا,19,سوشال ميديا,16,سياحة,2,سينما,29,شؤون ثقافية,450,صحافة,87,صحة,579,صوت,1,صوت و صورة,912,طاقة,25,طقس,1,عالم السيارات,1,عداد البنزين,5,عزة,2,علوم و تكنولوجيا,315,عناوين الصحف,322,غزة,105,فتح,1,فرنسا,182,فلسطين,4,فلسطين المحتلة,634,فنون,243,قطر,2,كاريكاتير,9,كأس العالم,108,كتاب الراي,1939,كولومبيا,1,لبنان,22,ليبيا,34,مجتمع,1261,مجنمع,10,مختارات,128,مدونات,5,مسرح,6,مشاهير,1,مصر,8,مغاربي,1048,ملف سامير,8,ملفات,53,منوعات,410,موريتانيا,16,مونديال,1,نقارير,2,نقرة على الفايس بوك,1,نيكاراغوا,1,
rtl
item
الغربال أنفو | موقع إخباري: وصية محمد شحرور قبل وفاته
وصية محمد شحرور قبل وفاته
https://1.bp.blogspot.com/-aRU9aV0hpFY/XgPGFNHcgCI/AAAAAAAA6Xs/sSjuCPtihxAJtjFK0ZUOASwpv5xOMJ7UACLcBGAsYHQ/s640/ac.jpg
https://1.bp.blogspot.com/-aRU9aV0hpFY/XgPGFNHcgCI/AAAAAAAA6Xs/sSjuCPtihxAJtjFK0ZUOASwpv5xOMJ7UACLcBGAsYHQ/s72-c/ac.jpg
الغربال أنفو | موقع إخباري
https://www.alghirbal.info/2019/12/blog-post_949.html
https://www.alghirbal.info/
https://www.alghirbal.info/
https://www.alghirbal.info/2019/12/blog-post_949.html
true
9159330962207536131
UTF-8
تحميل جميع الموضوعات لم يتم إيجاد اي موضوع عرض المزيد التفاصيل الرد الغاء الرد مسح بواسطة الرئيسية بقية أجزاء المقال: موضوع العرض الكامل مقالات في نفس الوسم قسم أرشيق المدونة بحث جميع الموضوعات لم يتم العثور على اي موضوع الرجوع الى الصفحة الرئيسية الأحد الأثنين الثلاثاء الأربعاء الخميس الجمعة السبت شمس اثنين ثلاثاء اربعاء خميس جمعة سبت يناير فبراير مارس ابريل ماي يونيو يوليوز غشت شتنبر اكتوبر نوفمبر دجنبر يناير فبراير مارس ابريل ماي يونيو يوليوز غشت شتنبر اكتوبر نوفمبر دحنبر في هذه اللحظة 1 منذ دقيقة $$1$$ منذ دقيقة 1 منذ ساعة $$1$$ منذ ساعة أمس $$1$$ منذ يوم $$1$$ منذ ساعة منذ أكثر من 5 أسابيع متابعون يتبع هذا المقال المميز مقفل لمواصلة القراءة.. أولا شاركه على: ثانيا: انقر فوق الرابط الموجود على الشبكة الاجتماعية التي شاركت معها المقال انسخ كل الأكواد Select All Code All codes were copied to your clipboard Can not copy the codes / texts, please press [CTRL]+[C] (or CMD+C with Mac) to copy عناوين ثانوية