المعطيات والوقائع خطيرة، وهي لا تستهدف فقط الاقتصاد والمال العام، بل أيضا صحة المواطنين وحياتهم. ويمكن أن تشكل مجتمعة أو متفرقة جرائم مركبة ومتعددة
![]() |
| facebook.com/mohamed.hafid |
وقبل ذلك بيوم واحد، كشفت صحيفة "نيشان" الإلكترونية أن الأمر لا يتعلق فقط بصفقة واحدة فوتها وزير الصحة إلى زميله وزير التربية والتعليم، بل بصفقات كثيرة ومتوالية، أُبْرِمت كلها خلال هذه المدة القصيرة التي قضاها الوزيران جنبا إلى جنب في الحكومة التي لم يلتحقا بها إلا قبل عام، إثر التعديل الحكومي في نهاية أكتوبر 2024.
ففي مدة التي لا تتجاوز سنة واحدة، وبالضبط بين فبراير ونونبر 2025، استفادت شركة وزير التربية والتعليم، بحسب المعطيات التي نشرتها الصحيفة بتفاصيل معززة بوثائق وأرقام وتواريخ، من أكثر من صفقة من صفقات وزارة الصحة.
المعطيات والوقائع خطيرة، وهي لا تستهدف فقط الاقتصاد والمال العام، بل أيضا صحة المواطنين وحياتهم. ويمكن أن تشكل مجتمعة أو متفرقة جرائم مركبة ومتعددة. ففيها:
- تضارب المصالح،
- واستغلال المنصب الحكومي لتحقيق مكاسب أو منافع،
- واستغلال المعلومات الداخلية أو المعلومات المتميزة،
- وخرق القوانين التي تنظم مقتضيات استيراد الأدوية،
- وتوريد أدوية قريبة من انتهاء تاريخ الصلاحية،
- وعدم تحمل وزارة الصحة لمسؤوليتها في ضمان عدم انقطاع أدوية حيوية.
نحن أمام وقائع ومعطيات خطيرة. وإذا ثبت حدوثها، فإنها تضعنا أمام كل أشكال الفساد، من تبديد للمال العام وإهداره، إلى استغلال النفوذ والسلطة، إلى استغلال المنصب الحكومي لتحقيق مكاسب مالية أو منافع خاصة... إلخ.
ولا يقف هذا المسلسل من الجرائم في قطاع الصحة عند هذا الحد. فقد يصل إلى جريمة الاتجار في البشر، كما كتب الصديق مصطفى الفن. وأشير هنا إلى الممارسات التي تستهدف صحة المواطنين وحياتهم، من خلال رفع أسعار الأدوية إلى مستوى يؤدي إلى حرمان بعض المرضى من الوصول إلى الأدوية، وبالتالي تهديد حياتهم.
فإذا تأكد أن مصحة خاصة تستورد دواء للسرطان بـ600 درهم وتبيعه بـ4000 درهم للمرضى الذين يكونون مجبرين على شرائه، فإننا سنكون أمام الاتجار في آلام المرضى ومعاناتهم، عوض علاجهم ومداواتهم.
خطورة هذه المعطيات والوقائع تفرض ألا تبقى القضية حبيسة متابعات إعلامية أو تعليقات في تدوينات على وسائل التواصل الاجتماعي. فالمؤسسة البرلمانية، حيث انفجرت هذه "القنبلة"، مطالبة بتحمل مسؤوليتها والقيام بتقصي الحقائق. والهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، بعد أن بَلَغَتْ إلى علمها، عبر وسائل الإعلام، هذه المعطيات والوقائع، التي تتضمن مؤشرات حول وجود شبهات فساد، مطالبة بالنهوض بمهامها والقيام بعمليات البحث والتحري.
أما الصمت أمام هذه المعطيات والوقائع فليس سوى جريمة أخرى. فعندما يتورط المسؤولون في ممارسات غير مشروعة، ولا تنهض مؤسسات الحكامة والمحاسبة بمهامها، تصبح الدولة مسؤولة عما يحدث، فتتحمل بذلك وِزْر انتشار الفساد، كما تتحمل في الوقت نفسه تداعياته.
ومن المعلوم أن هذه التداعيات لا تقف عند المستويات المالية أو الاقتصادية أو الاجتماعية، بل تتجاوز ذلك إلى مستويات أكثر حساسية، وفي مقدمتها المستوى السياسي. فالآثار السياسية للفساد، حين يجري التطبيع معه واستسهاله من طرف المسؤولين، تكون أشد خطورة، لأنها تقوّض ثقة المواطنين في الدولة وفي مؤسساتها.


تعليقات