حين الحديث عن ذاكرة الحيوانات، ليس استعارة فقط للسان الحيوان في كليلة ودمنة، بل حتى تعاطي الدراسات العلمية مع تفاوت الذاكرة من حيوان لآخ...
حين الحديث عن ذاكرة الحيوانات، ليس استعارة فقط للسان الحيوان في كليلة ودمنة، بل حتى تعاطي الدراسات العلمية مع تفاوت الذاكرة من حيوان لآخر، نجد أن الذاكرة القوية مقرونة بالجمال في حين أن ذاكرة الأسماك قصيرة.
مناسبة القول ما يشاع حاليا على أن دار المخزن ودوائر القصر تتنصل من ترهل أدوار الأحزاب السياسية، كأن ذاكرتنا ذاكرة اسماك تنسى بسهولة الادوار السوداء التي لعبها المخزن في إفساد الحياة السياسية والتحكم في مفاصلها منذ عقود، ونستغرب أن دوائر القصر تحاول ان تطوي تاريخ ما فعلت أيديها كأن المنتوج الفاسد للحياة السياسية لم يكن مخططا له سلفا وبهاته البشاعة التي كانت تستهدف بالأساس خلق كائنات ببغائية تسبح بحمد الخيارات المخزنية، وزيادة في الخلط يضع الخطاب الرسمي كل الأحزاب في سلة واحدة، حتى المستقلة بقرارها والممانعة للتوجهات المخزنية، إمعانا في خلق حالة من الالتباس أمام الجماهير، وتمثل هوة بين العموم والأحزاب المناضلة، وتكريس دور الحكم المظهري الذي يتقنه القصر عند الأزمات.
وحتى ننعش ذاكرة الجمال، نحيل الأسماك والضارية منها، لمراجعة تاريخ تأسيس جبهة الدفاع عن المؤسسات الدستورية "الفديك" سنة 1963، بإيعاز من القصر لمستشاره رضا اكديرة، بهدف فرملة قوة حزب الاستقلال وكذا الصعود القوي للإتحاد، خصوصا بعد نجاح مقاطعة دستور 1962، وللإشارة فإن الدولة المخزنية استعملت كل أدوات السلطة لتزوير الانتخابات في 1963 حتى يفوز "الفديك" المنشئ بقرار مخزني، فبنية التدخل المخزني للتحكم و إفساد الحياة السياسية ليست وليدة اليوم، بل جذورها متأصلة بتأصل الأحزاب المعارضة المستقلة بقرارها.
وستستمر نفس معادلة التدخل المخزني في الحياة السياسية الحزبية، حتى لا تشد على قاعدة حماية خيارات القصر كيفما كانت، ولتبقى صمام الآمان لامتصاص الأزمات، فهل هذا هو الدور الذي وجدت له الأحزاب ؟! توابع لدار المخزن بدل تأطير المواطنين ووضع برامج وتصورات لإدارة السلطة وتدبير شؤون الناس، حيث ستلجأ دار المخزن مرة أخرى لمسرحية جديدة حين سيدفع القصر بصهره لتجميع من رشحهم للفوز كمستقلين في انتخابات 1977، ليولد بعملية قيصرية حزب التجمع الوطني للأحرار ويجد نفسه بين عشية وضحاها متربعا على قمة حزب مخزني ب 141 برلمانيا وهو قيد التشكل، غريب أن يتساءل المرء الآن على افتقاد هاته الأحزاب المفبركة لدينامية داخلية تشبه أحزاب العالم !! وقد انتقي 15 من رجال الأعمال لتكوين المكتب السياسي للحزب الجديد بأوامر عليا، والمثير أن تجربة التناوب التوافقي كانت تدبر من طرف دوائر المخزن عبر إدماج التجمع الوطني للأحرار فيها وبتعاقد بين اليوسفي والقصر، لضمان الولاء التام، فلماذا نطلب من الصنائع التي ألفت التعليمات ان تصبح مستقلة وقد تربت على الأوامر وصنعت بدار المخزن.
لن تسعنا المساحة لجرد كل الأمثلة التي تأكد ان دوائر القصر و دار المخزن أفسدت الحياة السياسية بصنائعها، نورد في هذا السياق فبركة الاتحاد الدستوري في 1983 للاستحواذ أيضا في وقت قياسي على انتخابات 1984. وتبقى العملية التي أشرف عليها وزير الداخلية البصري بتنسيق مع المخزني السابق للحركة الشعبية عبد الكريم الخطيب، أم المجازر في الحياة السياسية، حيث أشرفا في 1992 على نزوح سرطاني للإسلام السياسي التابع للقصر عبر حركة الإصلاح والتوحيد، ليصبح فرع التنظيم الدولي للإخوان بالمغرب تحت تسمية العدالة والتنمية، حاميا لخيارات القصر، ولم يخجل بنكيران حيث صرح أمام مجلسه الوطني أنه من علم أتباعه الانتفاع والتواصل السري مع دوائر القصر والمخزن و رؤوس الداخلية، وصقور الحزب تعلموا الصنعة ورموه على الهامش، فلا يمكن أن يستعر الصانع من صناعته.
تبقى آخر المسرحيات، هي عملية تجميع بعض من تساقط من حداثيين وشبه ديمقراطيين وحمر سابقين، تحت رمز "التراكتور" وإيهامهم بقدرة مستشاري القصر على خلق حالة سياسية جديدة شبيهة بمعادلات الفبركة السابقة : دعم الدولة، غطاء القصر، هالة إعلامية، تمويل وحصانة السلطة، تجميع فساد الأعيان ثم الفوز في الانتخابات، لكن البعض ينسى أن أفواه خدم المخزن أصبحت متعددة جدا، وكل ما تراكم من أحزاب مفبركة عبر السنين تربع على رأسها زبناء مخلصون لدار المخزن لا يتحركون إلا بمعادلات التعليمات التي رسمت لسنين.
في مقابل رسم الخرائط وتنصيب قيادات الأحزاب المخزنية، وحتى طرد المتنطعين من مؤتمراتها، هناك ايضا تضييق ممنهح وموجه ضد الأحزاب المعارضة والممانعة والمستقلة في قرارها، بتقليص وحرمان الدعم عنها و التلكئ في منحها للقاعات وخنق شبيباتها، حتى لا تتوسع إلا دائرة الولاء لدار المخزن.
إذن فمسؤولية دوائر القصر ودار المخزن قائمة وثابتة في إفساد الحياة السياسية، والتحكم في الحياة الداخلية لصناعتها لأحزابها التابعة.
ومسؤوليتها قائمة أيضا في التضييق على الأحزاب المعارضة الحقيقية، هاته الأخيرة التي تجد لوائح مناضليها مليئة بالمعتقلين السابقين والمنفيين والمطرودين بسبب آرائهم والحفاظ على استقلال قرارهم، وقد انتج اليسار المناضل في تأطيره للجماهير نخبا بكفاءة عالية جدا، استطاعت إدارة قطاعات حيوية في الدولة وتركت بصماتها المهنية خدمة للوطن، دون ان تكون تابعة او صنيعة لدار المخزن، لكن باستقلالية امتلاك مشروع تحرري يبني الوطن والإنسان، فإذا كانت هاته عدمية بمنطوق دار المخزن فهي تشرفنا.
www.facebook.com/mounaim.ouhti/posts/10210166810833887
التعليقات