اندلعت في الاسبوع الاول من (3) مارس سنة 1973، مواجهات مسلحة بين تنظيم الاختيار الثوري وعناصر النظام بمنطقة مولاي بوعزة ضواحي مدينة خنيفرة،كا...
كانت خنيفرة في ذلك العهد قد أصبحت بؤرة ثورية كامنة على الخريطة الإستراتيجية للتنظيم.فحوْلها تمتدّ منطقة متوحشة من تلال تغطيها الغابات وجبال وعرة، ما يشكل أرضا مثالية لحرب تقوم على نصب الكمائن.
كان من المقرّر أن تقوم مجموعة مسلّحة متفرّقة في عدّة أنحاء وجهات الأطلس المتوسّط بهجمات متزامنة خلال يوم 3 مارس،وبسببِ خطأ في التّنسيق، قامت مجموعة واحدة بقيادة إبراهيم النمري الملقب بالتيزنيتي بهجوم على "مولاي بوعزة" بينما كانت المجموعات الأخرى قد أجّلت هجومها لمدة اسبوع، مما يعني انه على المستوى الميدانيّ وقعت أخطاء جسيمة، أبرزها إعطاء أوامر للثوار في بعض المناطق للهجوم والتحرك دون مناطق أخرى...
لم يكن اختيار "الثّوار" تاريخ 3 مارس للقيام بالثّورة الموعودة لإسقاط الملكية وتأسيس الجمهورية،اعتباطياً أو اجتهاداً تكتيكياً،وإنما كان مقصوداً،فقد أرادوا بذلك الإطاحة بالملك في ذكرى اعتلائه السّلطة.
كانت الانتفاضة المسلحة نتيجة حتمية لحالة الانسداد التي كانت تعرفها البلاد وهو ما استدعى فرضَ القوّة لقلبِ النّظام.وكان الخيار الثوري و النضال المسلح من بين الخيارات المتبناة عند بعض الفئات اليسارية المغربية.
بدات البؤرة الثورية تظهر ملامحها في 29 يناير 1969، عندما داهمت الشرطة الاسبانيةفي مدريد،بيت سعيد بونعيلات، أحد أبرز الأطر الثورية في التنظيم ثم انتظرت قدوم الراحل أحمد بنجلون لتعتقلهما الى جانب مناضلين اخرين كانوا يحملون جوازات سفر سورية،اضطرت الى اطلاق سراحهم،وسلمت بونعيلات وبنجلون الى الشرطة المغربية،عاد المفرج عنهم الى
تداريبهم في معكسر الزبداني في سوريا،حيث خضعوا لتداريب عسكرية شاقة،وأمام العدد المتزايد من الثوار المغاربة الوافدين على المخيم وضع السوريون تحت تصرف التنظيم معسكرَ «عين البيضا» على بعد 15 كيلومترا شرق دمشق،حيث تدرّبوا قبل العودة
الى الجزائر ومن تم الدخول إلى التراب الوطني من أجل القيام بانتفاضة مسلحة بعد تسريب الرجال والسلاح عبر الحدود الجزائرية لتنفيذ مخططهم بتغيير النظام عبر السلاح..واضافة الى التكوين العملي كان هناك تكوين نظري لتحسين معارف الثوار ومعلوماتهم.حول أدوات الكفاح السري من الكتابة بالحبر السري إلى الاتصالات السلكية واللاسلكية، مرورا بالترميز والخرائط،فقد كانوا مؤهلين لخوض معركة التحرير لو تأخروا بعض الوقت حتى تنضج الظروف،لقد كانت قيادة التنظيم "الاختيار الثوري"والتي تتكون بالاخص من الفقيه محمد البصري، محمد بنونة، وعمر دهكون متسرعة او انفلتت من بين يديها الامور في لحظة الحسم،لم يكن هنا وعي سياسي بأن ظروف الثورة لم تنضج بعد،وبأن الثورة ستكون معزولة،وسيلزم بعض الوقت من أجل الإنجاز،ويبدو ان القيادة لم تستطع سوى أن تجاري حماس الشباب وهو ما حكم على هذه الثورة بالفشل الذريع،وتقديم خيرة الشباب قرابين للنظام،ولم تقدّر جيدا الأرضية الاجتماعية والإيديولجية التي يستند إليها النظام السياسي،ودرجة قوته،
ونقاط ضعفه.لقد كانت ثورة مسلحة من أجل قلب النظام خططوا لها ونفذوها، لكنْ لم يُكتب لها النجاح...
ويجدر بنا هنا ان ندكر بعض المشاركين في الثورة الموؤودة:حمو عبد الحليم،
إبراهيم النمري الملقب بالتيزنيتي،إبراهيم أوشلح,سليمان العلوي،محمد أونجدي
، عبد الله المالكي، أحمد بويقبا،
البشير الزين الملقب بين الثوار باسمه الحركي"إدريس النجار"محمد أمدة،أمهروق أمزيان...
أمام هدا الصمت العنيد، الذي طالما غطى هذا التاريخ الثوري الممزوج بالدم المأساوي،وجب الاشادة بعنصرين كان لهما دور فعال في التنظيم رجال قرروا تغيير مجرى التاريخ:
*محمد بنونة الملقب بمحمود، المهندس والقائد الميداني للتنظيم، المتشبع بالثقافة الألمانية،كانت تسكنه الثورة
ملفوفة بالدم في صدره، وسط شساعة الجبل كان محمود يتدرب على موته،وهو النهاية الحتمية لملحمة مأساوية.إنه عمل يدعو إلى كفاح يستمر حتى انمحاء الذات نفسِها،قُدِّر له أن يموت شابا وعمره لم يتجاوز 35 سنة، في معركة شرسة مع قوات النظام، في منطقة أملاغو.فضل محمود، إذن، خيار السلاح للقضاء على سيادة الرّعب الذي يدين له النظام، والذي كان محمد أوفقير وأحمد الدليمي وإدريس البصري رجاله الذين يثيرون الرعب، اختار محمود هذا الاختيار بصدق وإخلاص.
*عمر دهكون المولود بتالوين بنواحي مدينة تارودانت سنة 1937 الملقب كذلك بزهير، كان عضواً في الاتحاد الوطني للقوات الشعبية وكذلك مناضلاً ثورياً في صفوف التنظيم. كان دهكون هو زعيم الخلايا السرية في الرباط والدار البيضاء التي كانت تستعد للقيام بأعمال مسلحة في المدن بعد اندلاع الشرارة في الجبال.
سقط شهداء واعتقل البعض وفر الى المنافي البعض الاخر، تلك كانت نهاية مأسوية لأبطال بلا مجد،لكنهم سجلوا مجدهم في ذاكرتنا الجماعية...
في المحصلة،أصدرت محكمة القنيطرة في المحاكمة الاولى 16 حكما بالإعدام و 15 حكما مؤبدا إضافة إلى ما يناهز 50 أحكاما مختلفة.
نفذ حكم الإعدام في حق عمر دهكون يوم الخميس، فاتح نونبر 1973وكان عيد الاضحى مع 14من رفاقه، كان يوجد في صف واحد إلى جانبه لحظة تنفيذ حكم الإعدام اثنان من رجاله الجدايني ويوسف مصطفى، إضافة إلى حسين أيت زايد قائد خلية تنغير واحديدو قائد خلية إميلشيل وموحى أولحاج، قائد خلية خنيفرة، فضلا على تسعة من رجال محمود المقربين، وهم دحمان سعيد والناصيري وبوزيان والعثماني وآيت عمي وباعمراني والجزار وصبري وفريكس...
انتهت المحاكمة الثانية يوم 18 يناير 1974 بالنطق بستة أحكام جديدة بالإعدام، وفي المجموع كان هناك 84 حكما بالإعدام غيابيا وحضوريا، في حين أطلق سراح 7 محامين، منهم عمر بنجلون ومحمد اليازغي، صباح يوم 27 غشت 1974، في التاريخ الذي أعدم فيه سبعة ثوار داخل السجن العسكري في القنيطرة...
شهدت العملية العسكرية،المضادة التي قادها الكولونيل أرزاز مجازر رهيبة واتنهاكات جسيمة وأعمال بربرية جسيمة,
فبعد فشل الأحداث و وفاة عدد من المشاركين فيها تم القبض على عدد كبير من المناضلين و المواطنين الأبرياء و توسعت دائرة الاعتقالات لتشمل حتى النساء.اما التعذيب لم يستثنِ لا الأطفال ولا النساء ولا الشيوخ..يتم اعتقالهم وتعذيبهم بغضّ النظر عن مشاركتهم من عدمها في الانتفاضة المسلحة، ويكفي فقط أنهم علّقوا زوجة المناضل أمدة من شعرها على شجرة، وقاموا بقَنبَلة منزلها واستولوا على الشياه وذبحوها من أجل تأمين غذائهم دون وجه حق،واحتجز النظام اراضي وضيعات فلاحية واستولى على الماشية والمحاصيلةالزراعية وقام بتتريك قبائل منطقة الاطلس المتوسط،فاق حتى الاستعمار الذي لم يكن يعتقل العائلات والأبناء ويُعذبهم، بل يتوجه مباشرة إلى المسلحين....
تم كذلك اختطاف أعضاء من عائلات بعض المشاركين كزوجاتهم و تعذيبهم من أجل الاعتراف بأماكن تواجد أزواجهن.ولا زال بعض الضحايا الذين عُذبوا وحُرموا من حريتهم وانتزِعت منهم ممتلكاتهم، ولكنهم يتبنون أعمالهم الماضية بفخر ويمدحون الشّهداء الذين اختفوا مدحا كثيرا.
اغلب ساكنة المناطق المنتفضة لم تستفد من جبر الضرر لا الفرديّ ولا الجماعي،بعد رفض كل من هيأة التحكيم المستقلة، وهيأة الإنصاف والمصالحة تعويضَ العائلات عن الممتلكات التي ضاعت منها، والغريب أنّ ما يسمى بالمجلس الوطني لحقوق الإنسان قد اخبر بعض الضحايا أنّ هذا الملف قد تم طيه بشكل نهائي....
لقد تعرضت المنطقة الى إبادة بعد الانتفاضة،قل نظيرها في تاريخ المغرب....
كما كان لأحداث 3 مارس 1973 صدى على المستوى الخارجي،وزاد للمعتقلين السياسيين والمخطوفين والمنفيين،مما دفع النظام الى فتح نصف نافدة لهامش من الحرية المقننة في اواسط السبعينات بالتزامن مع طرح قضية الصحراء المغربية....
.webp)
تعليقات