يذكّرنا تشومسكي في كتابه «من يحكم العالم» بلائحة طويلة من الأضرار التي يفضّل الأميركيون نسيانها. الاستثناء الأميركي يسترجع تشومسك...
يذكّرنا تشومسكي في كتابه «من يحكم العالم» بلائحة طويلة من الأضرار التي يفضّل الأميركيون نسيانها.
الاستثناء الأميركي
يسترجع تشومسكي التاريخ الذي شهد على ظواهر مماثلة لميل أميركا نحو التحرك وفقاً لمصالحها في وقت تتحدث هي فيه عن مصالح كونية. فقد سبقت «الاستثناء الاميركي»، مهمةُ نشر الحضارة التي أخذتها فرنسا على عاتقها تجاه مستعمراتها، وحتى تصميم الإمبراطورية اليابانية على جعل الصين «الجنة الدنيوية» تحت وصايتها. اليوم، ينظر إلى هذه الشعارات القديمة على نحوٍ واسع على أنها مفردات مُلّطفة للاستغلال ونهب الثروات. وبرغم ذلك، يصر الأميركيون على التصديق بأن حكوماتهم تتصرف في العالم من دون مثل تلك الخلفيات الامبريالية.
كتاب تشومسكي عبارة عن مجادلةٌ هدفها إيقاظ الأميركيين من سبات الاعتداد المتخاذل بالنفس. برأيه، أميركا هي قوة تستوجب كبح جماحها.
«من يحكم العالم» يُقوّض الأساطير السهلة ـ ولكن المريحة ـ التي تستخدم غالباً لتبرير التحرك الأميركي في الخارج ـ التمييز، بعباراته، ما بين «ما نمثله» و»ما نقوم به
على سبيل المثال، فإن الأميركيين روّعتهم عن حق هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2011 التي يزعم أن نفذها تنظيم «القاعدة»، والتي ذهب ضحيتها حوالي ثلاثة آلاف شخص، ولكن معظمهم تناسوا ما يصفه تشومسكي بـ «11 سبتمبر الأول» ـ 11 سبتمبر 1973 ـ حين دعمت الولايات المتحدة انقلاباً عسكرياً في التشيلي أوصل إلى السلطة الجنرال أوغستو بينوشيه، الذي قام بإعدام ثلاثة آلاف شخص. وكما بالنسبة إلى سياسة أميركا في كوبا وفيتنام، فإن الإطاحة المدعومة اميركياً بالحكومة اليسارية للرئيس التشيلي سالفادور اليندي كانت تهدف، بحسب عبارات إدارة الرئيس الأميركي آنذاك ريتشارد نيكسون، إلى قتل «الفيروس» قبل أن «ينتشر» بين أولئك الذين لا يريدون استيعاب مصالح النظام العالمي بقيادة بلاده. «الفيروس»، يكتب تشومسكي، «كان الاحتمال بأن يقوم مسار برلماني يوصل إلى نوعٍ من الديموقراطية الاشتراكية».
إرهاب حميد
يهاجم تشومسكي الاستغلال السهل من قبل الولايات المتحدة لوسم «الإرهاب» لوصف أفعال أعدائها، ولكن ليس أصدقائها. هكذا، يتساءل في كتابه لماذا أدانت التفجير الذي استهدف «المارينز» في بيروت في العام 1983، واعتبرته «إرهابياً»، علماً أنها لم تصف كذلك مجزرة صبرا وشاتيلا التي نفذها في العام 1982 حزب «الكتائب» اللبناني بدعم اسرائيلي؟ السبب، يسخر الكاتب، هو أن «إرهابنا، حتى ولو كان إرهاباً مؤكداً، هو إرهاب حميد»، وهو تبرير خطير برأيه، لأن معظم الحكومات، وحتى الجماعات، ومنها تنظيم «داعش»، يعتقدون أنهم يتحركون لتنفيذ رؤية خيّرة.
في الشرق الأوسط، يركز الكاتب بالأخص على النفاق الأميركي في ما يتعلق بإسرائيل. كما يخصص فصلاً للحديث عن «الغضب الأميركي الانتقائي». الأميركيون غضبوا لحادث إسقاط الطائرة الماليزية في شرق أوكرانيا، من قبل قوات مدعومة من روسيا كما بدا، ما أدّى إلى مقتل 290 شخصاً. ولكن من يتذكر حادثة اسقاط طائرة إيرانية مدنية في العام 1988 بواسطة صاروخ أرض ـ جو أطلقه الطراد الأميركي «يو أس أس فينسين» الذي كان يرابط في مياه الخليج لحماية الديكتاتور العراقي صدام حسين؟
يختم تشومسكي بسؤالٍ آخر يرد فيه على عنوان كتابه. أكثر ممن يحكم العالم، يجب أن نستعلم حول «أي المبادئ والقيم تحكم العالم؟». أخيراً، هو لا يقدم الكثير كوصفة للعلاج، وكأنه يستحيل عليه تصور دورٍ إيجابي لأميركا غير الأدوار المضرة التي يسلّط الضوء عليها.
المصدر: نادر فرجاني
عن مقالة "كينيث روث" الصادرة في مراجعات النيويورك تايمز للكتب The New York Review of Books، في 22 يونية 2016.
التعليقات