الذي يتتبع التاريخ يرى أن أمريكا ليس لها صديق دائم وعدو مؤقت باعتبارها إحدى القوتين المسيطرتين في العالم، ولذلك تراها غدرت بجميع أصدقائه...
الذي يتتبع التاريخ يرى أن أمريكا ليس لها صديق دائم وعدو مؤقت باعتبارها إحدى القوتين المسيطرتين في العالم، ولذلك تراها غدرت بجميع أصدقائها وعلى المدى البعيد، وعلى سبيل الأمثلة التي بينها الدكتور فيصل القاسم في مقاله ” كيف تبيع أمريكا أصدقاءها ” وذكر كتابا بنفس الاسم للمؤلف مجدي كامل يوضح إستراتيجية الغدر الأمريكي عبر التاريخ، كالرئيس الباكستاني برويز مشرف، وشاه إيران محمد رضا بهلوي وغيرهم من الأصدقاء الأوفياء.
فأنا لا أريد أن أذهب بعيدا وأغوص في مجريات ومتاهات تاريخية مليئة بالأصدقاء والعملاء، والصديق العميل في نفس الوقت أفضل بكثير من السياسي الغبي. فمنذ الحرب العراقية الإيرانية وأمريكا تحاول البدء في فرض سيطرتها على الشرق الأوسط ببيع أصدقاءها والتخلص منهم وكسب حلفاء وأصدقاء جدد عبر الإستراتيجية المتبعة لدى الكونجرس الأمريكي.
ففي عام 1990 أعطت أمريكا الضوء الأخضر لصدام حسين في دخوله الكويت إلا أنها بعد ثلاثة أشهر طالبته بسحب الجيش العراقي وحدثت في وقتها حرب الخليج الثانية لتحرير الكويت من القوات العراقية وبتحالف يضم 38 دولة بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية! ومنذ ذلك التاريخ حاولت أمريكا التخلص من صدام حسين على الرغم من أنه لم يكن ذلك الصديق الحميم لأمريكا ولكنها تخلصت منه في الحرب الأخيرة على العراق سنة 2003. وتخلصت بعد ذلك من معمر القذافي الرئيس الليبي، ومبارك رئيس مصر، وزين العابدين بن علي رئيس تونس بفكرة الربيع العربي المصطنعة.
وقد نشاهد ذلك المشهد يتكرر الآن في سوريا, ومن سيقع في الفخ هل أردوغان الرئيس الطامح في دولة عثمانية جديدة أم الملك سلمان وتحويل المملكة إلى جمهورية؟
حيث طالبت أمريكا تركيا بالتدخل في كوباني (عين العرب) ومحاربة داعش هناك إلا أن تركيا وضعت ثلاثة شروط قبل أن تتدخل في عين العرب ضد تنظيم “داعش”. وهذه الشروط هي: وقف تعامل الأحزاب الكردية مع نظام الأسد، والتخلي عن فكرة الإدارة الذاتية، ووقف أي نشاطات على الحدود الجنوبية لتركيا من شأنها “تهديد الأمن القومي التركي”. وصعوبة الالتزام بهذه الشروط من قبل الأكراد جعلت تركيا ترفض التدخل إلا أنها وافقت على دخول قوات (البيشمركة الإقليمية) من العراق مرورا بالأراضي التركية ووصولا إلى كوباني.
اليوم تركيا تفرض سيطرتها على الشرق الأوسط عن طريق التحالفات العربية وذلك للوقوف ضد القوة الإيرانية, وبالتالي فإن أمريكا لا ترغب في وجود أي قوة منافسة لها في الشرق الأوسط, فتمكنت من وضع تركيا أمام روسيا في سوريا وتمكنت أيضا من إيجاد السعودية في العراق أمام إيران وبالحالتين فالرابح الأكبر هو أمريكا، فعلى تركيا والسعودية أخذ العبرة من الأنظمة السابقة.
وبالنهاية هذا هو المنطق السياسي الأمريكي في التعامل مع الأنظمة الحاكمة في كل زمان ومكان، منطق الغدر هذا لا يستثني أحدا، ليس فيه مكان لحليف أو صديق، الجميع سواسية، والمعيار الوحيد هو المصلحة فقط. لا مكان لحقوق الإنسان أو أية مصطلحات أو مفاهيم أخرى تحمل شبهة أي شيء يتعلق بالإنسانية!! الغريب أنه ورغم تاريخ الولايات المتحدة الطويل في الغدر بأصدقائها وحلفائها من الحكام، وتخليها عنهم بعد استنفاد قدراتهم على القيام بأدوارهم أو تراجع قوتهم ونفودهم أمام القوى المعارضة، أو ظهور بديل يمكنه أن يقدم خدمات أكبر أو في حال كان البديل يتقدم عليهم شعبيا, انتخابيا. ستتخلى عنهم لصالح بديل آخر.
* كاتب صحفي من العراق
التعليقات