«فاهر نهايت 451»، هي درجة حرارة النار التي تحترق فيها الكتب وتتحول إلى رماد تتقاذفه الرياح، وهو العنوان نفسه الذي اختاره السينمائي الفرن...
«فاهر نهايت 451»، هي درجة حرارة النار التي تحترق فيها الكتب وتتحول إلى رماد تتقاذفه الرياح، وهو العنوان نفسه الذي اختاره السينمائي الفرنسي فرانسوا تروفو، لفيلمه الذي يحكي قصة نظام استبدادي جاثم على شعبه المهلوك قرر الحاكم بأمره إحراق الكتب في الساحات العمومية، لكن الرافضين المقاومين في ذلك البلد اتخذوا قرارا يضمن للكتب المحروقة أن تظل حية، وذلك بأن يحفظ عن ظهر قلب كل مقاوم النص الكامل لكتاب وحمله في الصدور إلى أن ينجلي ظلام الجبروت.
تذكرت مضامين هذا الفيلم، حين كنت عائدا من مراكش إلى الدار البيضاء، على متن القطار والتقيت شابا حرص على أن يحكي لي عن مصير مبادرة اتخذها شباب بمدينة مراكش بمجهوداتهم الذاتية بتعميم قراءة الكتب عبر إقامة أكشاك في الساحات العمومية تسمح لكل فرد أن يطالع كتابا بالمجان، لكنهم اصطدموا بسياسة ولو طارت معزة أي الرفض القاطع للسلطات المحلية التي نصحت هؤلاء الشبان بان يقيموا براكة أو حانوت لبيع المثلجات أو العصير أو ما شابه حتى يضمنوا لهم دخلا ثابتا، وأن يتخلوا نهائيا عن فكرة أكشاك الكتب التي «لا تفيد أحدا» ولا تندرج ضمن خطة «التشغيل الذاتي» للشباب، وهي الخطة المفضلة لدى السلطات التي اعترفت بعجزها عن تشغيل أبناء الشعب مهما كان مستوى تعليمهم.
حاول الشباب التخفيف من درجة حرارة مخاوف السلطات من الكتب، وأكدوا أنها لن تتضمن محتويات ومضامين ايديولوجية، بل الهدف هو أن يعتاد المواطن على فعل القراءة ويكتشف عوالمه ويغوص في بحاره ولو عبر قصص و روايات ودواوين شعرية.
لكن رد السلطات كان «غاضبا وحازما» ونهائيا لا رجعة فيه ولكن فيه الرجعية : «نعم لأكشاك الثلج والفانيد لا لأكشاك الكتب» .
خوف السلطات من تعليم أبناء الشعب العلم النافع والمنتج، ليس وليد اليوم بل بدأت معالمه تتضح منذ الأيام الأولى لما يسمى بـ «الاستقلال»، حيث حرصت الطبقة المستفيدة منه على إرسال أبنائها إلى فرنسا الاستعمارية خصوصا لتلقي تعليم وازن يجعل منهم النخبة التي سترث، بالإضافة إلى الشركات والقصور والرياضات، مهمة تدبير الشؤون العامة في البلاد والسيطرة التامة على الشركات الكبرى، العمومية والخاصة، بالإضافة إلى الوزارات و السفارات و غيرها.
في هذا الوقت بالذات عرب هؤلاء التعليم حتى يظل أبناء الشعب سجيني لغة مهما بلغ شأوها وتاريخها، فإنها لا تمكنهم ولا تمنحهم المفتاح بدخول دائرة النفوذ التي تسيطر عليها وتحتكرها فئة معروفة لا تحتقر العربية والناطقين بها فقط، بل تهين اللغة الأمازيغية وعملت على تهميشها بل و « إبادة » ثقافتها وتحويل الأمازيغ إلى مجرد « كارت بوسطال» وفولكلور موجه لاستهلاك السياحة الغبية التي تكتفي بالقشور دون التعمق في الهوية الأمازيغية التي تضرب جذورها في أعماق التاريخ.
لا شيء تغير منذ ذلك الزمان إلى يومنا المظلوم هذا.
وهاهي وثائق مسربة تفضح كيف يتسول موظفون كبار ووزراء المستعمر القديم – الجديد من اجل تشغيل أبنائهم في مؤسسات دولية، فيما أبناء الشعب من حملة الشواهد العليا ينالون نصيبهم من التعنيف وتهشيم العظام حين طالبوا بحقهم في عمل يصون كرامتهم.
لكن هذا الحق أصبح اليوم وأكثر من أي وقت مضى حكرا على من عبثوا سابقا وحاليا بالتعليم وصنعوه حتى يكون مصدر شلل للطاقات الشابة، إلى درجة بدأنا نعاين فيها الأطفال و الشباب في سن مبكرة يتملكهم اليأس والإحباط ويعبرون عنه بالعنف والتدمير فيما بينهم، والطبقة العليا المسيطرة تتفرج، لكن يبدوا أن هناك من يتناسى بأن الأطفال هم مستقبل المغرب. فماذا يا ثرى هم فاعلون بعد أن تأكدوا بأن مستقبلهم قد تم إهداره والتلاعب به والقضاء عليهم وعليه.
والخلاصة أن المقامرة بمصير شعب لن تكون أبدا ودائما لصالح المقامرين.
أحمــد السنوســي
التعليقات