(1) الاحد، الساعة 5 صباحا، ولجت مستشفى بن المهدي رفقة رفيقة دربي التي ناوبها ألم حاد بالظهر حوالي الرابعة صباحا، رائحة الصباغة تخن...
(1)
الاحد، الساعة 5 صباحا، ولجت مستشفى بن المهدي رفقة رفيقة دربي التي ناوبها ألم حاد بالظهر حوالي الرابعة صباحا، رائحة الصباغة تخنق الأنفاس. بمكتب الاستقبالات شابتان تغالبان النعاس. سألتني إحداهما "ما كاين باس". بدل الجواب عن السؤال سلمتها بطاقة تعريف حبيبة الروح لتعبئ استمارة الولوج، واستدرت يمنة ويسرة أبحث عن كرسي متحرك، لعل الجلوس يخفف عن حبيبتي بعضا من الألم.... في زاوية بالبهو ينزوي كرسي متحرك، وقبل أن احركه اكتشفت أنه كرسي معطوب - كما واقع الصحة بالبلد- بدل مسند القدمين تم ربط ضمادة بين الجانبين.
الساعة الخامسة والنصف، بقاعة الملاحظة حبيبتي ممددة على سرير، وإلى جانبها إمرأة خمسينية مستلقية على سريرها تتنفس بصعوبة، بمحاداة هذه الأخيرة شاب عشريني ينتظر هو الآخر من يسعفه، إلى جانبه أمه ترقبه يتألم من شدة صداع بالرأس. على السرير الرابع رجل أربعيني يغط في النوم، شخيره زاد من نرفزة وقلق المرضى الذين سرق الألم النوم من جفونهم.
الممرضة المتدربة جالسة بمكتبها المعطوبة إحدى أرجله الأربع، على سطح المكتب أوراق متناثرة لكتابة الروشيتات وأوراق خاصة بالمستفيدين من الرميد ووأوراق الإذن بالفحص.
خرجت من قاعة الملاحظة متجها عبر ممر تنبهت أن به باب كتب علىه "مكتب الطبيب" طرقت الباب محاولا فتحه، الباب مغلق، اندفعت في اتجاه مكتب الاستقبالات، صارت الدقائق بعدد الساعات. من جيب سروالي الرياضي سحبت هاتفي النقال لأدقق في ساعة المحمول. صوت إحدى شابتي الاستقبال يناديني " أعمي ها الطبيبة ماجية" ابتسمت داخلي وفي الوقت نفسه سألت المنادية "واعلاه آ بنتي الطبيبة فين امشات بالسلامة؟" حبست افتراضا متمما لسؤالي "إذا كانت بالمرحاض كل هذا الوقت فلديها حالة إمساك، والنتيجة أن إمساكها يمسكها عن القيام بواجبها في إسعاف متاعيس الحظ الذين ترميهم الظروف فيجدون نفسهم في قسم المتأخرات لا المستعجلات"
اتجهت للمدخل الرئيسي للمستشفى، لامست جيوب البدلة الأربعة باحثا عن علبة السجائر. أعدت البحث كرة. "رباه ..من أين لي بسجارة أطفئ بها بعضا من الغضب الذي بدأت ناره تشتعل بداخلي" السادسة إلا ربعا، الكشك المقابل للمستشفى مازال مغلقا الحي المجاور ساكنته وتجاره يغطون في النوم، فاليوم يوم أحد، عطلة نهاية الأسبوع.
(2)
عدت أدراجي لقاعة الملاحظة، فتحت بابها ذو الدفتين. لمحت الممرضة المتمرنة تمسك بكف حبيبتي، أسرعت الخطو نحوهما، وجدتها تبحث عن الوريد ،وجدت صعوبة في فرزه بالدراع. أمسكت الممرضة بإبهام الكف الأيمن لحبيبتي، غرزت إبرة الكانيولا والارتباك باد على محياها. أراقب بحذر عملية"تعلم الحسانة في رؤوس اليتامى" ، أي نعم حين تلج مشفى عموممي تشعر باليتم "لا حنين ولا رحيم ". عادت بي الذاكرة لأيام المدرسة الابتدائية ، وجدت نفسي أستظهر بعضا من نص المحفوظات عن الممرضة.
رايتها نظيفة -- نشيطة خفيفة
فؤادها رحيم -- وعطفها عظيم
لطيفة الكلام -- تعمل في نظام
أي حالة شكيزوفرينيا هذه؟ فباستثناء النظافة البادية على الوزرة البيضاء والبنطلون الأزرق، لم أر لاخفة ولا نشاطا ، اما الفؤاد الرحيم والعطف ولطف الكلام فتلك صفات لممرضات في الأحلام.
زاد ارتباك الممرضة، تحول لتوتر، علقت كيس المحلول، ركبت به الانبوب، وهي تهم ربط الانبوب بالكانيولا، صحت بها : "آش باغيا ديري ؟ " بسرعة البرق اندفع ممرض نحوها أمسك بالأنبوب، فقاعات هواء تقطع السائل النازل من الكيس. وبفرنسية الدكتور قنقون docteur Knock قال لها » ne l’as- tu pas purgé « ردت عليه « mais si » ...
أي سنطيحة تملكين ، في رمشة عين كنت ستزهقين روح حبيبة الروح. وبينما أنا أفكر، لا كما فكر ديكارت في الكوجيطو، ولكن كنت أفكر في ردة الفعل المناسبة على ما حدث، بينما أنا أفكر نبتت بيننا امرأة أربعينية ، مربوعة القد، الرأس مغطى بفولار، ترتدي جاكيتا يتدلي من تحته بياض ثوب بدلة طبية لم أدري حينها إن كانت ممرضة أم طبيبة؟
رمقتني من وراء النظارة الطبية و يدها تمتد لتمسك باليد اليمنى لحبيبتي حيث ركبت المتمرنة إبرة الكانيولا/القسطرة، تفحصتها، وطلبت من المتمرنة إحضار إبرة أخرى. أمسكت باليد اليسرى لحبيبتي، تفحصت ظهر
الكف، أمسكت بالإبهام تحسست الوريد تتبعته لحدود المعصم، حددت مكان غرز الإبرة مسحته بقطعة قطن مبلل بالكحول، ثم غرزت إبرة القسطراة ذات اللون الأزرق. طلبت من المتمرنة نزع إبرة الكانيولا من اليد اليمنى....لقد فشلت المتمرنة في حصة غرز تمرينية على يد بشرية.
مدينة العيون
www.facebook.com/mohamed.essrout
تعليقات