أظهرت المقاطعة أنها سلاح فعال لمحاربة الجشع و استغلال السلطة لمراكمة الأموال و هي طريقة جديدة و مبتكرة للضغط في اتجاه تحقيق بعض المطالب ...
أظهرت المقاطعة أنها سلاح فعال لمحاربة الجشع و استغلال السلطة لمراكمة الأموال و هي طريقة جديدة و مبتكرة للضغط في اتجاه تحقيق بعض المطالب التي رفعها الحراك الاجتماعي سنة 2011 المتمثل في محاربة زواج السلطة بالمال لكن الإشكال الحقيقي و العقبة الحقيقية هو أن غياب التأطير السياسي و الاقتصادي للمقاطعة يجعلها معركة غير فعالة على المستوى البعيد صحيح أنها تحقق الآن بعض المكاسب الآنية رغم أن الشعب لازال لم يستفذ بشكل مباشر و بشكل مادي من نتائج المقاطعة إلا أنه بدأ يحصل على بعض المكاسب المعنوية كالقدرة على مواجهة التحكم و تعرية بعض رموز الاحتكار و أبواقهم المأجورة لكن المقاطعة بالطريقة الحالية و بالانتقائية التي فرضتها اللحظة و التي كانت في البداية موجهة قبل أن تفقد الأطراف التي روجت لها في البداية زمام المبادرة و أصبحت شعبية و يصعب التحكم فيها لها سلبيات و إيجابيات.
فمن إيجابياتها هو عدم إمكانية اختراقها و ضمان استمراريتها لكن سلبياتها الخطيرة هي أيضا عدم إمكانية توجيهها لما فيه مصلحة المواطن فمثلا نعلم جيدا أن من المساهمين في شركة سنطرال هناك شخصيات في الحكم و مباشرة بعد انطلاق المقاطعة المباركة تمت الزيادة في منتوجات أخرى لتعويض الخسائر المهولة لأن تلك الشخصيات تملك أسهم في أغلب المواد الاستهلاكية فقد قفز ثمن زيت لوسيور ب 2 دراهم مباشرة بعد أن ترسمت المقاطعة و أصبحت تضر بالشركات المقاطعة و هنا لو كانت هذه الأخيرة مؤطرة كما قلت سياسيا و اقتصاديا فكان يجب أولا قبل أن تنطلق المقاطعة و اختيارها للشركات المستهدفة دراسة لرؤوس أموال تلك الشركات و معرفة المساهمين فيها و مقاطعة جميع الماركات الاستهلاكية لهؤلاء المساهمين لقطع جميع المناورات التي قد يلجئون إليها لتعويض خسائرهم كي لا يمكنهم الاستمرار في مواجهة المقاطعة لمدة أطول.
كما يجب أن تكون المقاطعة شكلا نضاليا و ليست معركة شخصية و يجب أن تنتهي و تعدل بمدى تحقيقها لمطالب محددة و منطقية فمثلا نحن نتحدث عن تخفيض للأسعار لكن أي تخفيض يحب أن نقبل به و من سيحدده لأن التخفيض يجب أن يحدده مختصون في الاقتصاد بعد دراسة الكلفة و هامش الربح الذي يجعل تلك الشركات مستمرة حتى نضمن الحفاظ على اليد العاملة التي تشتغل في تلك الشركات و عدم التسبب في إغلاقها لكي لا نضر بالاقتصاد الوطني.
و من سلبيات المقاطعة أيضا أنها بدأت تتحول لبديل عن النضالات الشعبية في الشارع العام فسهولتها و تكلفتها البسيطة دفع أغلب المقاطعين إلى اعتبارها أصبحت الطريقة الوحيدة للنضال و أصبح المقاطعون يهاجمون أي دعوة للاحتجاج بل يعتبرون أي مبادرة للاحتجاج هي مؤامرة ضد المقاطعة و يدعون المواطنين لعدم الاستجابة لتلك الدعوات و هو سلوك ينم عن جهل و توجيه مخزني يستغل نقص الوعي و الإدراك بطبيعة الصراع السياسي بالمغرب و لكي نوضح للمقاطعين أن المقاطعة لن تكون بديلا عن الاحتجاجات الشعبية فيجب أن يعلم هؤلاء أن مشكل المغرب ليس هو الغلاء لأن الغلاء هو نتيجة لاختيارات سياسية و اقتصادية منها ما هو وطني و منها ما هو مربط بالنموذج السياسي و الاقتصادي العالمي الذي انخرط فيه المغرب و أصبح رهينه بسبب سياساته الاقتصادية الوطنية الفاشلة التي جعلته رهينة في يد المؤسسات المالية الدولية بسبب القروض التي أغرقت مديونية الدولة مما جعلها تنفذ كل الإملاءات المفروضة عليها من تلك المؤسسات المالية و في مقدمتها سن سياسة تقشفية وهي التي أفضت إلى الغلاء بسبب ضرب صندوق المقاصة و تحرير الأسعار.
و نظرا لأننا دولة فاسدة فإن هذه المعاناة التي تعيشها الميزانية العامة للدولة والتي انعكست بشكل مباشر على المواطن كانت بالنسبة للمتحكمين في دواليب الحكم فرصة للاغتناء و مراكمة الأموال و الذي ظهر جليا في المكاسب التي حققتها شركات المحروقات منذ تخلي الدولة عن دعمها.
إذن بعد أن وضحنا سبب الغلاء سنطرح السؤال هل المقاطعة الحالية كافية لتجاوز المشاكل التي يعيشها المغرب و كيف؟ هذا السؤال الجواب عليه واضح و هو أن المقاطعة.
قد نربح منها إسقاط بعض رموز الفساد و الجشع لكنها لن تكون كافية لإخراج البلاد من الوضع الكارثي الذي تعيشه فالمقاطعة لن تحل مشكل الشغل و المقاطعة لن تحل مشكل السكن و المقاطعة لن تحل مشاكل الصحة و التعليم و تقاعد الموظفين و غيرها من المشاكل التي تسبب فيها النموذج الاقتصادي و السياسي المتبع من طرف النظام القائم و المقاطعة لن تحقق ربط المسؤولية بالمحاسبة و فصل السلط و طلاق السلطة و المال بل لابد من نضال ميداني يرافق هذه الصحوة القادمة من خلف شاشات الهواتف و الحواسيب .
و يجب أن تكون المقاطعة وسيلة للتساؤل و فهم طبيعة الصراع و مقاومة الرأسمال الذي حولنا لعبيد حفنة من الإقطاعيين الذين استغلوا سلطهم لمراكمة الأموال على حساب فقرنا و كرامتنا مستغلين الجهل المركب الذي خططوا له منذ عشرات السنين حتى يجعلوا من المواطن أداة للاغتناء عبر ضرب المدرسة العمومية و الجامعة العمومية و خلق جيل من المواطنين الدين يستغلونهم للوصول للسلطة سواء بشرائهم و سياقتهم لصناديق الاقتراع أو استغلال الدين و الانتماء الروحي للمواطنين لجعلهم يصوتون لله في أشخاص بعيدين عن تعاليم الدين بل مجرد مرتزقة يخدمون أسيادهم الذين يرمون لهم الفتات و ما حالة السعار الذي أصاب وزراء العدالة و التنمية بسبب المقاطعة إلا دليل واضح على استغلالهم الدين لخدمة شركة سنطرال و باقي الشركات التي تمتص دماء المغاربة.
التعليقات