الصورة: رئيس وزراء آيسلندا المستقيل بسبب أوراق بنما علي أنوزلا استيقظ العالم قبل أيام على دوي الفضيحة التي ستحمل اسم "أورا...
الصورة: رئيس وزراء آيسلندا المستقيل بسبب أوراق بنما
علي أنوزلا |
استيقظ العالم قبل أيام على دوي الفضيحة التي ستحمل اسم "أوراق بنما". أي فضيحة التهرب الضريبي المشتبه بالضلوع فيه مسؤولين سياسيين كبار ومشاهير من عالم المال والرياضة وأثرياء وشخصيات نافذة، وشركات محسوبة على شبكات تهريب وتحايل عالمية.
الفضيحة هزت الرأي العام العالمي الذي تعاطى معها كأكبر اكتشاف لأحد مخادع الفساد العالمي الأكثر سرية وحماية، وهو بالفعل كذلك، لأن الكثير من زبائنه هم من الأثرياء والنافذين في العالم.
لكن هذا الاكتشاف قد يكون مفاجئا لبسطاء الناس الذين بالكاد يعرفون جغرافية بلدانهم، ويستطيعون أن يقوموا بمعاملاتهم اليومية مع مصارفهم المحلية. أغلب هؤلاء البسطاء يعرفون أن الضريبة هي أرقهم اليومي تلاحقهم طيلة يومهم ولا يستطيعون الخلاص من مطاردتها سوى بأدائها ومن بينهم من وجد نفسه في السجن أو محروما من بعض حقوقه المدنية لأن بذمته ضريبة من الدولة التي ينتمي إليها أو يعيش في كنفها.
أكبر من المفاجأة التي كشف عنها حجم الوثائق المسربة التي تجاوزت 11 مليون وثيقة، والأسماء "الكبيرة" التي كٌشف عنها حتى الآن والمشتبه في لجوئها إلى تلك الملاذات الضريبية للتهرب من أداء مستحقات دولها عليها، كانت هي ردة فعل بعض الساسة والمسؤولين الحاكمين الذين عبروا عن تفاجئهم بوجود مثل هذه الملاذات الضريبية.
فقد صرح الرئيس الأمريكي باراك أوباما بأن التهرب الضريبي يشكل آفة عالمية، أما الرئيس الفرنسي، فرانسوا هولاند فأعلن بأن بلاده ستضع باناما ضمن الملاذات الضريبية. وعبر العالم، أعلن زعماء وبرلمانات دول ديمقراطية عن عزمهم فتح تحقيقات بعد ورود أسماء شخصيات من بلدانها في ما بات يعرف بفضيحة "أوراق باناما".
المفارقة هنا تكمن في محاولة هؤلاء المسؤولين أن يظهروا مثل المواطن العادي الذي اكتشف لأول مرة وجود مثل هذه الملاذات للتهرب الضريبي في العالم، وهذا يكشف عن شيئين اثنين: نفاق هؤلاء السياسيين، وعدم جدية كل تصريحات الادانة التي أطلقوها، أو الإجراءات التي أعلنوا عن اتخاذها للحد من هذه الظاهرة.
وتكبر المفارقة، ويصبح النفاق مستفزا، عندما تصدر مثل هذه التصريحات والإجراءات عن سياسيين في دول ديمقراطية. لأن أساس الاقتصاد الحر هو الشفافية، وأساس المواطنة هو دفع الضرائب، لذلك أصبح المواطن في الدول الديمقراطية والحرة يسمى بـ "دافع الضرائب"، أي أنه شريك في مؤسسة كبيرة اسمها "الدولة". ولذلك تثير الشفافية الضريبية أهمية قصوى في الدول الديمقراطية ووضعت الكثير من القوانين لمكافحة أي محاولة للتهرب الضريبي بما في ذلك عبر الاستحواذ.
يقدر الخبراء حجم الأموال المهربة في ملاذات ضريبية آمنة عبر العالم بحوالى 10 ترليونات دولار، وهذه كلها أموال مسروقة من شعوب مغلوب على أمرها، بل إن بعض هذه الأموال هي جزء من صفقات قذرة نتيجة الاتجار في الأسلحة والمخدرات، وبالتالي فإن أصحابها لا يقلون فتكا عن المجرمين والإرهابيين، لأن أياديهم ملطخة بدماء الأبرياء الذين ذهبوا ضحية تلك الأسلحة أو المخدرات القاتلة.
بعض هؤلاء "المجرمين" من أصحاب "الياقات البيضاء" أصبحوا اليوم مكشوفين، وأكثر من ذلك انكشف مخدعهم، فباناما بالنسبة لهؤلاء مثل جبال "تورابورا" لزعماء القاعدة سابقا، والرقة والموصل اليوم بالنسبة لقادة "داعش".
ليس المطلوب قصف باناما، وإنما اتخاذ الإجراءات العقابية ضدها، وضد كل دولة توفر الملاذ الآمن للأموال المسروقة والمنهوبة، وهذه مسؤولية الدول الكبرى إذا كانت فعلا جادة في محاربة التهرب الضريبي.
أطرف تعليق قرأته حول هذه الفضيحة هو تصريح لمسؤول من باناما قال إن ما تعرضت له بلاده هو قرصنة، و تلك هي الجريمة الوحيدة التي ارتكبت، لكن لا أحد التفت إليها!
هذا التصريح ذكرني بموقف السلطات المغربية عندما اعتقلت شابا ظهر في فيديو وهو يكشف الفساد الذي اعترى بناء طريق عمومي وقدمته للمحاكمة بتهمة اهانة شخصية عمومية، أي الشخصية المسؤولة عن الفساد الذي أراد الشاب أن يفضحه.
فاضح "وثائق باناما" مازال مجهولا، ولا نستبعد أن يضعه مسؤولو الدول، الذين يعبرون اليوم عن استنكارهم وإدانتهم لحجم الفضيحة، على مذكرات أجهزة أمنهم المطلبية لاعتقاله عند أول نقطة حدود يصل إليها.. العبرة في "هيرفي فلاسيانس"، مفجر فضيحة حسابات البنوك السويسرية، وقبله جوليان أسانج صاحب موقع "ويكليكس"، وإدوارد سنودن... هؤلاء كلهم اليوم مطاردون يعيشون في المنافي بينما المسؤولين الذين حاولوا فضحهم مازالوا أحياء في الرقاب يتحكمون وفي الأرزاق يتصرفون..
التعليقات