(1) د.فاضل الربيعي ما العلاقة بين سبي النساء في العراق وسورية – وصولاً إلى اختطاف مئات الفتيات الصغيرات في نيجيريا على أيدي جماع...
(1)
![]() |
د.فاضل الربيعي |
ما العلاقة بين سبي النساء في العراق وسورية – وصولاً إلى اختطاف مئات الفتيات الصغيرات في نيجيريا على أيدي جماعة بوكو حرام – وبين عمليات تفكيك الشرق الأوسط القديم؟ ولماذا يمتّد الشرق الأوسط الجديد ليشمل أجزاء من أفريقيا وجمهوريات آسيا الوسطى ( السوفيتية السابقة)؟ وما العلاقة بين الهيمنة وإطلاق موجة من ( التوحش الجنسيّ)؟ لقد شاهد الجميع من قبل ويشاهدون اليوم أيضاً، صوراً وأفلاماً وثائقية وفوتغرافية لعمليات إغتصاب جنسي، أو عمليات سبي وبيع للنساء، لكن أحداً لم يتساءل عن العلاقة بين تغيير خرائط والمجتمعات وبين هذا النمط من العدوان ؟
لم يكن سبي نساء الموصل ( والإيزيديات في جبل سنجار) حادثاً عرضياً عابراً في قصة داعش، تماماً كما لم يكن تنظيم أسواق نخاسة لبيع النساء، أو إقامة حفلات دعارة لتبادل الأسيرات، مجرد تصرفات طائشة لمجموعات إرهابية متوحشة مههوسة جنسياً. كما لم يكن التحويل الدراماتيكي لفكرة ( الجهاد ) في العقيدة الإسلامية من فكرة دينية إلى فكرة جنسية ( جهاد النكاح) مجرد خطأ فقهي في تأويل النصوص المقدّسة أو محض تحوّل عرضي في قصة فهم مبادئ الإسلام. في الواقع، يتعيّن وضع مسألة إغتصاب وسبي النساء في الشرق الأوسط – اليوم- في إطارها الصحيح، بوصفها العلامات الأولى لموجة من التوحش الجنسي، يبدو أنها بدأت بقوة. وكل ما جرى في هذا النطاق، يؤكد الحقيقة التالية :
إن الترابطات العضوية بين الهيمنة السياسية والإغتصاب الجنسي، هي في صميم إستراتيجيات السيطرة على الأرض. لقد أظهرت التجربة الإستعمارية الكلاسيكية ، أن الرأسمالية استوعبت في وقت مبكر، الدرس التاريخي القديم عن الترابط بين الهيمنة والعدوان الجنسي، وذلك حين لاحظ المستعمرون الأوائل في القارة الأمريكية ، أن انتزاع الأرض من الهنود الحمر، يقتضي تنظيم عمليات إغتصاب جنسي لنساء القبائل. في عام 1864، وقعت المذبحة الشهيرة في التاريخ الأمريكي ( مذبحة ساند كريك) حيث قام الأمريكيون باغتصاب النساء والفتيات في قرية كريك، ثم بقروا بطون الحوامل ومثلوّا بأجسادهنّ ، كما جدعوا أنوف الرجال وبتروا آذانهم، قبل أن يقوموا بقطع أثداء النساء وأعضاء الرجال التناسلية، وتعليقها على صدورهم وبنادقهم. إن التاريخ البشري، يؤكد هذه الحقيقة ، فقد مزجت كل الجماعات البدائية في حروبها للسيطرة على الأراضي والثروات ( حيوانات وأموال القبائل الأخرى) بين الهيمنة والتوحش الجنسي، لأن القاعدة الذهبية في استراتيجية الهيمنة، كانت ولاتزال تقوم على المبدأ ذاته: فرض هذا المزيج كمنظومة موحدة للسيطرة. وحين تدخل الأمريكيون في الحرب الكورية– الخمسينات من القرن الماضي- قدّموا هذا الكوكيتيل الوحشي بسخاء: مزيج من الهيمنة العسكرية والإغتصاب الجنسي للنساء الكوريات، وهو ما تكرّر بعد نحو أقل عقد من الزمن في فيتنام ، حين جرى تحويل العاصمة الفيتنامية الجنوبية السابقة سايغون إلى ماخور (مبغى جماعي واغتصاب 31 ألف امرأة). وهو ما حدث تالياً في الفلبين. إن إشاعة أنماط من الزواج الجماعي الفوضوي، ونشر أشكال مرّوعة من الإغتصاب الجنسي للنساء، والقيام بعمليات سبي ممُنهج، هو في صلب استراتيجيات الهيمنة على الأرض. وفي مطلع نيسان/ إبريل 2003 وحين كان الأمريكيون ينغمسون في تفكيك ماكنة الدولة في العراق، قطعة إثر قطعة، وقعت سلسلة مُمنهجة من عمليات الإغتصاب الجنسي لنساء عراقيات من كل الطوائف، وكان سجن أبو غريب مسرحاً حقيقياً لتجربة نمط من ( العدوان الجنسي) شمل الرجال أيضاً، وشاركت فيه مجندّات أمريكيات كنّ يتسلين بإلتقاط الصور مع (رجال مغتصبين) . وبعد اقل من 40 يوماً من سقوط بغداد اتهمت لجنة حقوق الإنسان في العراق قوات الاحتلال الأمريكي والبريطاني، باغتصاب العشرات من نساء وأطفال العراق. وفي رسالة وجهتها اللجنة إلى المنظمة العربية لحقوق الإنسان، ذكر معدّو الرسالة أن المنظمة «سجلت 57 حالة اغتصاب لنساء عراقيات على يد القوات الأمريكية والبريطانية، و27 حالة اغتصاب لأطفال، منها 11 حالة على يد القوات البريطانية، و3 حالات على يد القوات الدانمركية». وفقط خلال اقل من شهرين بعد الاحتلال. وأورد موقع كردي في أغسطس 2003م، أن الجنود الأمريكيين قاموا بفتح أبواب دار للأيتام في شمال العراق، وأنهم طُلبوا من الأطفال الخروج منها قبل أن يقوموا باغتصابهم، حيث سجلت 75 حالة اغتصاب لفتيات وأطفال صغار، و80 حالة اغتصاب لبالغين من الأيتام؟ وحين نشر الصحفي الأمريكي سيمور هيرش مقالته الشهيرة عن فضيحة سجن أبو غريب،اهتز وجدان العالم العربي والإسلامي وتسربت حقائق جديدة، منها أن الطابق الأسفل من السجن- وحيث جرى اعتقال الرجال- شهد فظائع لم تتطرق إليها مقالة هيرش. لكن أحداً لم يتساءل آنذاك عن ( الطابق الأعلى من السجن) حيث جرى اعتقال مئات النساء العراقيات.هناك وقع نمط غير مألوف من (التوحش الجنسي) سرعان ما جرى تعميمه على الحواجز في طرقات الفلوجة وفي مساجدها- حين جرى إغتصاب النساء داخل المساجد- ولتتكرر صور مريعة أخرى من عدوان جنسي ممُنهج.
اعتباراً من هذه اللحظة الدراماتيكية، أصبح ( التوحش الجنسي) أداة نموذجية من أدوات التفكيك السياسي والجغرافي، ولم يعد مجرد تصرفات طائشة.
إن تفكيك الشرق الأوسط سوف يتلازم مع إطلاق موجة جديدة من ( التوحش الجنسيّ).
تعليقات